للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خفيف الحاذ (١)، ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه وأعطاه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع إن صبر على ذلك» قال ثم نقد (٢) رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده وقال: «عجّلت منيته، وقلّ تراثه وقلّت بواكيه». وعن عبد الله بن عمرو قال: أحب عباد الله إلى الله الغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرّارون بدينهم يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم. وقال الفضيل بن عياض: بلغني أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أنعم عليك، ألم أعطك، ألم أسترك؟ ألم ... ألم ... ألم أجمل ذكرك، ثم قال الفضيل: إن استطعت أن لا تعرف فافعل، وما عليك أن لا يثنى عليك، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس محبوبا عند الله. وكان ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكرا خاملا، وكان الخليل بن أحمد يقول: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك، واجعلني في نفسي من أوضع خلقك، وعند الناس من أوسط خلقك.

[باب ما جاء في الشهرة] عن أنس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «حسب امرئ من الشر- إلا من عصم الله- أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه ودنياه، وإن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم». وروي مثله عن إسحاق بن البهلول عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله، وروي عن الحسن مرسلا نحوه فقيل للحسن: فإنه يشار إليك بالأصابع، فقال: إنما المراد من يشار إليه في دينه بالبدعة، وفي دنياه بالفسق. وعن عليّ رضي الله عنه قال: لا تبدأ لأن تشتهر، ولا ترفع شخصك لتذكر وتعلم، واكتم واصمت تسلم، تسر الأبرار، وتغيظ الفجار. وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما صدق الله من أحب الشهرة، وقال أيوب: ما صدق الله عبد إلا سرّه أن لا يشعر بمكانه، وقال محمد بن العلاء:

من أحب الله أحب أن لا يعرفه الناس، وقال سماك بن سلمة: إيّاك وكثرة الأخلّاء، وقال أبان بن عثمان: إن أحببت أن يسلم إليك دينك فأقل من المعارف. كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة نهض وتركهم. وقال: حدثنا عليّ بن الجعد أخبرنا شعبة عن عوف عن أبي رجاء قال: رأى طلحة قوما يمشون معه فقال: ذباب طمع وفراش النار. وقال ابن إدريس عن هارون بن أبي عنترة عن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي إذ علاه عمر بن الخطاب بالدرة وقال: إنها مذلة للتابع، وفتنة للمتبوع،


(١) خفيف الحاذ: قليل المال، خفيف الظهر من العيال.
(٢) نقد: أي نقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>