للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرض عليهم الكفر، وقيل لهم كونوا على المسلمين، لسارعوا إليه، وما تعلّلوا بشيء، وما ذلك إلا لمقتهم الإسلام، وحبّهم الكفر

وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل الخوف لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ منهزمين وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا أي مطلوبا مقتضى حتى يوفى به. قال ابن كثير: (ثم أخبرهم أن فرارهم لا يؤخر آجالهم، ولا يطوّل أعمارهم، بل ربما كان ذلك سببا في تعجيل أخذهم غرّة)

قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قال النسفي: (أي إن كان حضر أجلكم لم ينفعكم الفرار، وإن لم يحضر وفررتم لم تمتّعوا في الدنيا إلا قليلا، وهو مدّة أعماركم، وذلك قليل)

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ أي يمنعكم مِنَ اللَّهِ أي مما أراد الله إنزاله بكم إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً في أنفسكم من قتل أو غيره أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي إطالة عمر في عافية وسلامة، أي من يمنع الله من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة، أو من أن يعذبكم إن أراد تعذيبكم وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً أي ناصرا، أي ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ أي من يعوّق عن نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أي يمنع وهم المنافقون وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ في الظاهر من المسلمين، أي أصحابهم وعشرائهم وخلطائهم هَلُمَّ إِلَيْنا أي إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ أي الحرب إِلَّا قَلِيلًا أي إلا إتيانا قليلا. أي يحضرون ساعة رياء، ويقفون قليلا مقدار ما يرى شهودهم، ثم ينصرفون

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي بخلاء بالمودة والشفقة والنفقة لمصلحة القتال فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ من قبل العدو رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ في تلك الحالة تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ يمينا وشمالا كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت؛ حذرا وخوفا كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي من شدة خوفه وجزعه.

وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي فإذا زال ذلك الخوف وأمنوا خاطبوكم مخاطبة شديدة، وآذوكم في الكلام؛ منتقدين معترضين مجرّحين مطالبين راغبين طامعين أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي على المال والغنيمة، قائلين في خطابهم: وفّروا قسمتنا فإنّا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوكم، فهم في الحرب أجبن شئ، وفي السلم أطمع شئ. قال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة أعطونا أعطونا قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا في الحقيقة بل بالألسنة فَأَحْبَطَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>