للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لا يصلينّ أحد منكم العصر إلا في بني قريظة» فسار الناس فأدركتهم الصلاة في الطريق، فصلى بعضهم في الطريق، وقالوا لم يرد منا رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير، وقال آخرون لا نصليها إلا في بني قريظة فلم يعنّف واحدا من الفريقين، وتبعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم نازلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه لأنهم كانوا حلفاء في الجاهلية، واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك، كما فعل عبد الله بن أبيّ بن سلول في مواليه بني قينقاع حين استطلقهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فظن هؤلاء أن سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبيّ في أولئك، ولم يعلموا أن سعدا رضي الله عنه كان قد أصابه سهم في أكحله أيام الخندق، فكواه رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أكحله وأنزله في قبة في المسجد ليعوده من قريب، وقال سعد رضي الله عنه فيما دعا به: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستجاب الله تعالى دعاءه وقدر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبا من تلقاء أنفسهم، فعند ذلك استدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم فيهم، فلما أقبل وهو راكب على حمار قد وطئوا له عليه جعل الأوس يلوذون به ويقولون: يا سعد إنهم مواليك؛ فأحسن فيهم ويرقّقونه عليهم ويعطّفونه وهو ساكت لا يرد عليهم، فلما أكثروا عليه قال رضي الله عنه: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فعرفوا أنه غير مستبقيهم، فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قوموا إلى سيّدكم» فقام إليه المسلمون، فأنزلوه إعظاما وإكراما واحتراما له في محل ولايته ليكون أنفذ لحكمه فيهم، فلما جلس قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن هؤلاء- وأشار إليهم- قد نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت». فقال رضي الله عنه: وحكمي نافذ عليهم؟ قال صلّى الله عليه وسلم: «نعم». قال: وعلى من في هذه الخيمة؟ قال: «نعم». قال: وعلى من هاهنا- وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم- وهو معرض بوجهه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إجلالا وإكراما وإعظاما- فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نعم».

فقال رضي الله عنه: حكمي أني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم وأموالهم.

فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة».

وفي رواية: «لقد حكمت بحكم الله». ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالأخاديد فخدّت في

<<  <  ج: ص:  >  >>