للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يخفى عليه شئ، فالعظام وإن تلاشت وتفرّقت وتمزّقت فهو عالم أين ذهبت، وأين تفرّقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة، فإنه بكل شئ عليم، وهكذا عرفنا من خلال ما وصف الله عزّ وجل ذاته في الآية دليل على قيام الساعة،

ثم بين تعالى حكمته في إعادة الأبدان وقيام الساعة بقوله لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما قصدوا فيه من مدارج الإيمان وَرِزْقٌ كَرِيمٌ لما صبروا عليه من مناهج الإحسان

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أي سعوا في ردّ القرآن مسابقين ظانّين أنّهم يفوتوننا، قال ابن كثير في تفسير الآية: أي سعوا في الصدّ عن سبيل الله، وتكذيب رسله أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ أي لهم عذاب مؤلم، ذكرت هاتان الآيتان تعليلا لإتيان الساعة، فالحكمة في ذلك أن ينعّم السعداء من المؤمنين، ويعذّب الأشقياء من الكافرين

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ أي الصدق وَيَهْدِي هذا الكتاب إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ وهو دين الله قال ابن كثير: (هذه حكمة أخرى «أي من حكم إتيان الساعة» معطوفة على التي قبلها، وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة، ومجازاة الأبرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب الله تعالى في الدنيا، رأوه حينئذ عين اليقين ... ) فمن حكم إتيان اليوم الآخر أن يرى أهل العلم أن القرآن حق، وأنه هاد إلى صراط الله العزيز، أي المنيع الجناب الذي لا يغالب، ولا يمانع، بل قد قهر كل شئ وغلبه، الحميد في جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فهو المحمود في ذلك كله جلّ وعلا، وهناك اتجاه يقول: إنّ الآية الأخيرة مستأنفة، وليست معطوفة على ما قبلها، فهي تقرّر أن أهل العلم يعلمون أن القرآن حق، ويهدي إلى صراط الله، وعلى هذا فالآية تقرر أن هذا القرآن حق، يعرف ذلك العالمون، وإذ كان الأمر كذلك، وإذ كان القرآن الذي هو حق يقرّر مجئ الساعة، فذلك دليل على أنّ الساعة آتية.

نقل: [عن صاحب الظلال بمناسبة قوله تعالى وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ]

قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ:

(وصراط العزيز الحميد هو المنهج الذي أراده للوجود؛ واختاره للبشر لينسّق خطاهم مع خطى هذا الكون الذي يعيشون فيه. وهو الناموس الذي يهيمن على أقدار هذا الكون كله، بما فيه من الحياة البشرية التي لا تنفصل في أصلها ونشأتها،

<<  <  ج: ص:  >  >>