للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الكفر بالله والشرك به، والصد عن سبيله والعمل على تكفير أهل الإيمان وفتنتهم عن دينهم أبلغ وأشد، وأعظم، وأطم من القتل. فمن استعظم أن يقتل أعداء الله الذين يكفرون المسلمين وذراريهم فإنه لم يعرف دين الله. لذلك قال تعالى بعد ما تقدم:

وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ: أي وإقامتهم على شركهم وكفرهم، وإنزالهم المحنة والبلاء بأهل الإيمان لإيمانهم، أعظم من القتل الذي يحل بهم منكم. وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ: أي لا تبدءوا بقتالهم في الحرم حتى يبدءوا.

وفي الآية دليل لمن ذهب إلى أن المسجد الحرام يقع على الحرم كله. فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ: فإن بدءوكم بالقتال فيه فلكم حينئذ قتالهم، وقتلهم. كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ: القتل. نفهم من ذلك أن الكفر جريمة. بل هو أعظم الجرائم على الإطلاق. ومن ثم جاز لنا أن نقاتل الكافرين ابتداء لارتكابهم أكبر جريمة على الإطلاق، وهي الكفر. كما جاز لنا قتلهم ابتداء إلا أن يسلموا، أو يخضعوا بدفع الجزية، إلا وثنيي العرب. فإنهم لا يقبل منهم إلا الإسلام، أو القتل.

فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: أي فإن انتهوا عن الشرك والقتال، وأنابوا إلى الإسلام والتوبة، فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله تعالى. فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، إلا ما استثناه من الشرك. فهو غفور لما سلف من طغيانهم، رحيم بقبول توبتهم وإيمانهم.

وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ: أي شرك وكفر غالبان، ظاهران، عاليان. بحيث يقدران على فتنة المسلم عن دينه. وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ: أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان.

فبالله هل نحن مسلمون حقا، والكفر والشرك، والفتنة هم الأعلون. والإسلام وأهله هم الأضعفون. ولا قتال، ولا جهاد؟.

فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قال عكرمة وقتادة: الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. فصار معنى الآية: فإن امتنعوا عن الكفر فلا تقاتلوهم فإنه لا عدوان إلا على الظالمين. ولم يبقوا ظالمين بعد أن أسلموا. سمى جزاء الظالمين عدوانا للمشاكلة، من باب فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ. وفي قوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى

الظَّالِمِينَ

أكبر رد على من فهم أن قوله تعالى: وَلا تَعْتَدُوا في أول هذه الآيات أن المراد بها تبدءوا غيركم بالقتال. ثم فهم الآيات كلها بأن المراد منها، القتال الدفاعي فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>