للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبدأ المقطع الثالث بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ فالإنكار فيه منصب على القرآن والوحي، وفيما بين إنكار الآخرة، وإنكار الوحي، وإنكار الرّسالة، تداخل وتلازم، ومن ثمّ فإقامة الحجة في كل واحد منها إقامة حجة على الكلّ، ولذلك نرى أن في كل مقطع من المقاطع الثلاثة كلاما عن هذه الثلاثة، ولكن يبقى لكل مقطع سياقه الرئيسي مع ذلك، فلنر تفسير المقطع الثالث.

[تفسير المجموعة الأولى من المقطع الثالث]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ممّا نزل قبل القرآن من كتب الله، وقد يكون المراد بالذي بين يديه ما سيأتي من أمر الآخرة، من قيامة وجنة ونار، ولم يذكر ابن كثير غير المعنى الثاني، وذكر الألوسي الوجهين، قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن تمادي الكفار في طغيانهم وعنادهم، وإصرارهم على عدم الإيمان بالقرآن الكريم، وبما أخبر به من أمر المعاد) وعلى هذا فالمقطع الثالث أخبر عن إنكارهم اليوم الآخر من خلال إنكارهم للقرآن. قال النسفي في الآية:

(والمعنى: إنهم جحدوا أن يكون القرآن من عند الله، وأن يكون لما دلّ عليه من الإعادة للجزاء حقيقة) ولما كانت الحجج في المقطعين السابقين كافية، فإنّ نوعا آخر من الردّ يأتي هاهنا، ويبدأ الردّ بعرض مشهد من مشاهد يوم القيامة، يذكر فيه موقفهم الذليل يوم القيامة، إذ يتخاصمون ويتجادلون، قال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: محبوسون يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ في الجدال، أي: يرد بعضهم على بعض القول في الجدال. قال النسفي: (أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أو للمخاطب: ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة، ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب) يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي: الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا منهم وهم قادتهم وسادتهم لَوْلا أَنْتُمْ أي: تصدوننا عن سبيل الله، وتدعوننا إلى الكفر لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ بالله ورسله وما جاءوا به

قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا من القادة والسادة لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي: للأتباع أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ أنكروا أن يكونوا هم الصادّين لهم عن الإيمان، وأثبتوا أنّهم هم الذين صدّوا بأنفسهم عنه، وأنّهم أتوا من قبل اختيارهم. قال ابن كثير: (أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من

<<  <  ج: ص:  >  >>