للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجهاد وغيره. وأما النهي عن إهلاك النفس. فإذا نظرنا إلى النص مجردا كان له معنى.

وإذا نظرنا إليه من خلال الآية التي هو فيها، أعطانا معنى آخر. وإذا انظرنا إليه أنه جزء من السياق أعطانا معنى جديدا. وكل هذه المعاني مرادة. وكلها قد ذكرها أئمة التفسير عند شرح هذه الآية. فإذا نظرنا إلى النص مجردا فهمنا منه أنه نهي عن قتلنا أنفسنا. أي لا تقتلوا أنفسكم بأيديكم كما يقال: أهلك فلان نفسه بيده. إذا تسبب لهلاكها. وهل يدخل في ذلك لو أن الإنسان أمر المسلمين بمعروف، أو نهاهم عن منكر فقتلوه؟. الجواب: لا. بل هو مأجور. نص على ذلك فقهاء الحنفية. وهل يدخل في إلقاء النفس إلى التهلكة لو أن إنسانا هجم على الكافرين ملقيا نفسه عليهم فقتلوه؟.

قال الحنفية: إن كان بعمله هذا ينكي فيهم، ويلقي الرعب في قلوبهم فهو مأجور.

ولا يدخل في النهي. وإن كان لا ينكي فيهم بل يزيد من جرأتهم على المسلمين فلا يحل له ذلك. ويدخل في النهي.

وإذا نظرنا إلى هذا النهي ووروده بعد الأمر بالإنفاق، فهمنا منه أنه نهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله. لأنه سبب للهلاك. ذهب إلى ذلك كثير. أخرج البخاري عن حذيفة في الآية قال: «نزلت في النفقة». وقال ابن عباس في الآية: «قال ليس ذلك في القتال. إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله. ولا تلقي بيدك إلى التهلكة». وعن الضحاك بن أبي جبير قال: «كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سنة، فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله، فنزلت: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ؛ وقال الحسن البصري: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ: قال: «هو البخل».

وإذا نظرنا إلى هذا النهي من خلال وروده بعد آيات القتال، فهمنا منه أنه نهي عن ترك الجهاد. وأن ترك الجهاد هو الهلاك. وهكذا فسرها أبو أيوب الأنصاري. روى أبو داود والترمذي والنسائي عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه. ومعنا أبو أيوب الأنصاري فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية. إنما نزلت فينا. صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه. فلما فشا الإسلام، وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحببا. فقلنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه حتى فشا الإسلام وكثر أهله. وكنا قد آثرناه على الأهلين، والأموال، والأولاد. وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>