للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، فهو لم يكلف عباده لمنفعة تعود إليه، وإنما لمصلحتهم بالذات، كما ستدلّنا على ذلك خاتمة الآية وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وقد جاءت هذه المعاني ضمن معان أخرى، وهذا من مظاهر الإعجاز في القرآن، إنك تجد الآية في نصّها تعطيك معنى، وتعطيك معنى آخر من سياقها، وبذلك تتولد المعاني الكثيرة من الألفاظ القليلة، وإذ قرّر عزّ وجلّ غناه وافتقار الخلق إليه، وأنّه عند ما كلّف لم يكلّف افتقارا، وإنما كلّف وهو غني حميد لحكمة أرادها، إذ تقرر، هذا يبيّن الله لرسوله صلّى الله عليه وسلم من الذي يستفيد بالموعظة ممن لا يستفيد:

إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ أي يخشون ربهم في حالة غيابهم عن رؤية عذابه، إيمانا منهم بأن عذابه كائن، وإن لم يشاهدوه، أو يخشون عذابه غائبا عنهم، أو

يخشون ربهم غائبين عن أعين العباد، حيث لا اطلاع لأحد عليهم وَأَقامُوا الصَّلاةَ في مواقيتها أي إنما ينتفع بإنذارك هؤلاء. قال ابن كثير: (أي إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهي، الخائفون من ربهم، الفاعلون ما أمرهم به) وَمَنْ تَزَكَّى بفعل الطاعات، وترك المعاصي فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ أي ومن عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أي المرجع وهو وعد للمتزكّي بالثواب، دلّ هذا على أنّ الكلام السابق على هذا إنذار بليغ للإنسان.

...

[كلمة في السياق]

بعد أن أثبت الله عزّ وجل افتقار الخلق إليه وغناه. ودلل على ذلك بقدرته على إفنائهم، وخلق غيرهم، وذكر عدله في الحساب، وحال الناس يوم يحاسبون بيّن لرسوله صلّى الله عليه وسلم صفات من ينفع فيهم الإنذار، وهم من اجتمعت لهم الخشية، وإقامة الصلاة. وهذا يفيد أن غيرهم ليس كذلك. ومن ثمّ تأتي الآن آيات تقارن بين هؤلاء وأولئك.

...

وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ الحرور: الريح الحار كالسموم، إلا أن السموم تكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار

وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ قال ابن كثير: (يقول تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>