للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: (أي قد ختم الله عليهم بالضلالة فما يفيد فيهم الإنذار ولا يتأثّرون به)

إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي القرآن وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ أي وخاف عقاب الله مع أنّه لا يراه أو خاف الله حيث لا يراه أحد إلّا الله تبارك وتعالى يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بما يفعل. والمعنى: إنما ينتفع بإنذارك الذين اجتمع لهم اتباع القرآن العظيم وخوف الله، ممّا يفيد أنّ اتباع القرآن والخوف من الله هما بداية السير، وبداية قبول الموعظة والتذكير. فهذه مسلّمة لا بد منها للسير إلى الله فَبَشِّرْهُ أي بشر المتّبع للذكر الخائف من الله بِمَغْفِرَةٍ أي لذنوبه وَأَجْرٍ كَرِيمٍ أي كثير واسع حسن جميل. أي الجنة.

ثم ذكر تعالى ما يثير الخشية منه ويبعث عليها فقال:

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى أي يوم القيامة. أي نبعثهم بعد مماتهم وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا أي من الأعمال أي ما أسلفوا في حياتهم الدنيا وَآثارَهُمْ أي ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علّموه أو كتاب صنّفوه، أو وقف وقفوه، أو رباط أو مسجد صنعوه، أو من أثر سيئ كوظيفة وظّفها بعض الظلمة، وكذلك كل سنّة حسنة أو سيئة يستنّ بها وَكُلَّ شَيْءٍ

أَحْصَيْناهُ

أي عددناه وبيّناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ أي موضح يعني اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب ومقتداها. قال ابن كثير:

(أي وجميع الكائنات مكتوب في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ، والإمام المبين هاهنا: هو أم الكتاب، قاله مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم).

[كلمة في السياق]

١ - ما مرّ فيه تعزية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعليم. فالتعزية هي في تبيان أن كفر الكافرين إنما هو بالله، وله في ذلك حكمة، فلا يحزنك ذلك، وفيه تعليم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم في إراءته أين يثمر إنذاره، ولا يعني هذا ألا ينذر وألا يقيم الحجة، بدليل أن الآيات اللاحقة تبدأ بقوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ ... لأن من كتب الله عليهم الشقاوة غير معروفين بأعيانهم، إلا بتعريف الله عزّ وجل، وقد مرّ معنا في أول سورة الأنبياء أن من هذا شأنهم هم من توفرت فيهم مجموعة صفات على كمالها وتمامها، ولا أحد يعلم ذلك إلا الله، ومن ثمّ فلا بد من الإنذار وإقامة الحجة، وإذا كان في ما مر تعزية وتعليم فلا يذهبن أحد أن الآيات تفيد الجبر، بل الإنسان مختار، والجمع بين اختيار الإنسان وكون كل شئ بعلم الله وإرادته وقدرته ذكرناه في مكان آخر من هذا التفسير، فعلم الله كاشف لا مجبر، والإرادة تخصص على وفق العلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>