للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ هذا إخبار من الله تعالى عن قيل أهل النار بعضهم لبعض، أي: هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، أي: دخل النار في صحبتكم، والاقتحام:

الدخول في الشئ بشدة، والمراد بالفوج: أتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة، فيقتحمون معهم العذاب لا مَرْحَباً بِهِمْ هذا دعاء منهم على أتباعهم إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ أي: داخلوها، هذا تعليل لاستيجابهم الدّعاء عليهم. وقيل: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ كلام الرؤساء، وقيل هذا كله كلام الخزنة، والقول الأوّل أقوى بدليل ما يأتي

قالُوا أي: الأتباع بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أي: الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به، وعلّلوا ذلك أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا أي: أنتم قدّمتم العذاب، أو دخول النار لنا، أي: إنكم دعوتمونا إليه فكفرنا باتّباعكم فَبِئْسَ الْقَرارُ النار

قالُوا أي: الأتباع رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً أي: مضاعفا فِي النَّارِ يطلبون أن يزيد الله عذاب زعمائهم بأن يكون ضعفي عذابهم

وَقالُوا أي: رؤساء الكفرة ما لَنا لا نَرى رِجالًا يعنون فقراء المسلمين كُنَّا نَعُدُّهُمْ في الدنيا مِنَ الْأَشْرارِ أي: من الأرذال الذين لا خير فيهم ولا جدوى

أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا هذا استفهام ينكرون به على أنفسهم استهزاءهم بالمؤمنين في الدنيا أَمْ زاغَتْ أي: مالت عَنْهُمُ الْأَبْصارُ أي: أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم، وهم فيها؟ قسّموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة فلاموا أنفسهم على استهزائهم بهم في الدنيا، وبين أن يكونوا من أهل النار، إلا أنه خفي عليهم مكانهم. قال ابن كثير: (يسلون أنفسهم بالمحال يقولون: أو لعلّهم معنا في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم)

إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ أي: إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من تخاصم أهل النار بعضهم في بعض، ولعن بعضهم لبعض، لحق لا مرية فيه ولا شك. وبهذا انتهى المقطع.

كلمة في المقطع الأول وسياقه: [وتكامل معاني سورتي الصافات و (ص)]

١ - نلاحظ أن هذا المقطع الذي مرّ معنا قد جاء في وسط السورة وما قبله كلام عن موقف الكافرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وما بعده مباشرة سيأتي قوله تعالى:

قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ... مما يؤكد أن المقطع يخدم موضوع السورة الرئيسي، المتمثّل في محورها: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وهذه الخدمة رأيناها، إن في توجيه النذير، أو في

<<  <  ج: ص:  >  >>