للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يسأله إلا في أمر دنياه، وهو معرض عن أخراه. وذلك أن قوما من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث، وعام ولاد حسن. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا. فأنزل الله فيهم: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا أي: من الذين يشهدون الحج من لا يسأل الله إلا حظوظ الدنيا كالجاه والدنيا وغير ذلك.

وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي: من نصيب لأن همه مقصور على الدنيا، لكفره بالآخرة.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أي: ومن الذين يشهدون الحج من يقول: ربنا آتنا في الدنيا نعمة، وعافية، وعلما، وعبادة، ونحو ذلك، وفي الآخرة عفوا، ومغفرة، وجنة، ونحو ذلك.

واحفظنا من عذاب جهنم. فصار المعنى العام: أكثروا ذكر الله ودعاءه. لأن الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا أغراض الدنيا، ومكثر يطلب خير الدارين. فكونوا من المكثرين الذكر، الطالبين خيري الدنيا والآخرة.

أُولئِكَ أي: الداعون بالحسنتين. لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا أي: من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة، وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة. وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ: وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم، وكثرة أعمالهم، ليدل على كمال قدرته، ووجوب الحذر من نقمته.

[فوائد]

١ - روى الحاكم في مستدركه عن سعيد بن جبير قال: «جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني آجرت نفسي من قوم على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم. أفيجزي ذلك ذلك. فقال: أنت من الذين قال الله: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ».

٢ - أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول: آمين. فإذا مررتم عليه فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».

٣ - قال ابن كثير: (فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا، وصرفت كل شر. فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحيبة وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هين، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين. ولا منافاة بينهما. فإنها كلها مندرجة في

<<  <  ج: ص:  >  >>