للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْمَأَزَّتْ أي: نفرت وانقبضت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ دلّ على أنّ العلة هي الكفر باليوم الآخر وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يعني: آلهتهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ لافتتانهم بها. لاحظ موقفهم البشع، فهم في الغاية من السرور إذا ذكر غير الله، وفي غاية الانقباض إذا ذكر الله. قال النسفي: (ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه، فالاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل، والاشمئزاز أن يمتلئ غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه، والعامل في (إذا ذكر) هو العامل في إذا المفاجأة. تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار) وأمام هذا الموقف المغرق في الشرك والنفرة من التوحيد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يقول معلنا للحق، ومذكّرا وواعظا ومنذرا

قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ أي: يا فاطر السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ أي: يا عالم الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي: السّر والعلانية أَنْتَ تَحْكُمُ أي: تقضي بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من الهدى والضلال، أي: أنت تفصل بينهم يوم معادهم، ونشورهم وقيامهم من قبورهم،

ثمّ يحدّثنا الله عزّ وجل عن موقف الكافرين يوم الفصل، وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي: أشركوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ أي: لو أن لهم جميع ما في الأرض وضعفه معه لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي: من شدّته وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ أي: وظهر لهم من الله من العذاب والنّكال بهم ما لم يكن في بالهم، ولا في حسابهم

وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا أي: سيئات أعمالهم التي كسبوها، أو سيئات كسبهم حين تعرض صحائف أعمالهم، وكانت خافية عليهم، أو عقاب ذلك. وقال ابن كثير: أي:

وظهر لهم جزاء ما اكتسبوا في الدار الدنيا من المحارم والمآثم. وَحاقَ بِهِمْ أي: نزل بهم وأحاط ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: جزاء هزئهم، أي: وأحاط بهم من لعذاب والنّكال ما كانوا يستهزءون به في الدار الدنيا.

[كلمة في السياق]

رأينا في الآيات الأخيرة موقفا آخر للمشركين من قضية التوحيد، ورأينا ما هو الموقف المكافئ لهذا الموقف، ثمّ يعرض الله عزّ وجل علينا موقفا ثالثا للكافرين، وردّ عليه، هذا الموقف هو إنكار الكافرين أن يكون ما بهم من نعمة من الله، مع أنهم في أيام الشدة لا يدعون إلّا الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>