للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ إذ إنّ أوّل ما يقدّمه القرآن في باب الهداية هو الهداية إلى معرفة الله، والتعريف على طريق عبادته.

فلنر المجموعة الثانية في المقطع الثاني التي تفتح باب التوبة، والرّجوع إلى الله.

[تفسير المجموعة الثانية]

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أي: جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلوّ فيها لا تَقْنَطُوا أي: لا تيأسوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً بالعفو عنها إلا الشرك إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ يستر عظائم الذنوب الرَّحِيمُ بكشف فظائع الكروب، قال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه).

وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ أي: وارجعوا إليه، أي: وتوبوا إليه وَأَسْلِمُوا لَهُ أي: واستسلموا له بالانقياد لشرعه، والتسليم لقدره مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب، أي: بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وهو القرآن أو عزائم القرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي: من قبل أن يفجأكم العذاب وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئا لفرط غفلتكم من حيث لا تعلمون ولا تشعرون

أَنْ تَقُولَ لئلا تقول نَفْسٌ من الأنفس يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ أي: على ما قصّرت فِي جَنْبِ اللَّهِ أي: في أمر الله، أو في طاعة الله، أو في ذاته، أو في طريقه: وهو توحيده والإقرار بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم وَإِنْ كُنْتُ أي: وإنه كنت لَمِنَ السَّاخِرِينَ أي: المستهزئين قال قتادة لم يكفه أن ضيّع طاعة الله حتى سخر من أهلها، وتقدير الكلام فرّطت في حال سخريتي

أَوْ تَقُولَ يوم القيامة لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي أي: أعطاني الهداية لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أي: من الذين يتقون الشرك

أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً أي: رجعة إلى الدنيا فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي: من الموحّدين، أي: تودّ لو أعيدت إلى الدنيا لتحسن العمل.

ولمّا عرض الله علينا ما يتمنّاه أهل الجرائم من العود إلى الدنيا ردّ عليهم فقال: بَلى قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>