للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمة للمقطع الرئيسي في السورة، الذي يخاطب الكافرين. فكأنّ المقدّمة تعرّفنا على الله عزّ وجل، وتعرّفنا على عاقبة تكذيب رسله، ثم تتوجه بالخطاب إلى الكافرين لتقيم عليهم الحجة.

٣ - نلاحظ أن المقدّمة الطويلة لسورة غافر تفصّل معاني موجودة في الآيات الست الأولى من سورة البقرة، إلا أنّ السياق شيئا فشيئا سيستقل في تفصيل قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فهو المحور الرئيسي في السورة فلنلاحظ ذلك، فكأن مقدّمة سورة غافر تبني على سورة الزمر وتكملها، وتفصّل فيما فصّلت فيه، ثم تنطلق السورة لتفصّل في ما بعد محور سورة الزمر، وهو الكلام عن الكافرين، ولنعد إلى التفسير، فقد رأينا أن المجموعة اللاحقة تكمّل موضوع التعريف على الله عزّ وجل الذي بدأته الآيتان الأوليان في السورة.

[تفسير المجموعة الرابعة]

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ أي: يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي، من الآيات العظيمة الدّالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها، من ريح وسحاب ورعد وصواعق وغير ذلك وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار، ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله، وهو ماء واحد، فبالقدرة العظيمة جعل المطر سبب الرزق، وفاوت بين هذه الأشياء وَما يَتَذَكَّرُ أي: يعتبر ويتفكّر في هذه الأشياء، ويستدلّ بها على عظمة خالقها إِلَّا مَنْ يُنِيبُ أي: إلا من هو رجّاع توّاب إلى الله. قال النسفي: (أي) وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله إلا من يتوب من الشرك، ويرجع إلى الله، فإن المعاند لا يتذكّر ولا يتعظ.

ثم قال للمنيبين فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي: فاعبدوه مخلصين له الدين من الشرك وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ أي: وإن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليسوا على دينكم. قال ابن كثير: (أي: فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء، وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم،

ثمّ زادنا تعريفا على ذاته عزّ وجل ليستخرج منا العبادة والإخلاص، وليبيّن لنا حكمة إنزاله الوحي على رسله فقال: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ أي: رافع السموات بعضها فوق بعض، أو رافع درجات عباده في الدنيا بالمنزلة أو رافع منازلهم في الجنّة ذُو الْعَرْشِ أي: صاحب العرش ومالكه الذي خلقه فوق السموات مطافا للملائكة، وإظهارا لعظمته مع

<<  <  ج: ص:  >  >>