للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّهم لعدم قبولهم وانتفاعهم كأنهم ينادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون لبعد المسافة. أقول: وهذا المعنى يحسّه الدّعاة إلى الله، ويشعرون به، فإنّهم عند ما يكلّمون أمثال هؤلاء بالمعاني الإسلامية يستشعرون العجز عن الإسماع، ويستشعرون بعد هؤلاء عن إمكانية فهم المعاني القرآنية على صفائها. وبعد هذا الذي مرّ يذكر الله عزّ وجل إنزاله الكتاب على موسى عليه السلام، مما يفيد أن إنزال القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم ليس بدعا من الأمر، بل هو سنّة الله عزّ وجل

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قال النسفي: فقال بعضهم حق وقال بعضهم باطل، كما اختلف قومك يا محمد. وقال ابن كثير: أي: كذّب وأوذي فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بتأخير الحساب إلى يوم المعاد لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي: لعجّل لهم العذاب في الدنيا؛ بل لهم موعد وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أي: موقع من الريبة، أي: وإن الكافرين لفي شك من القرآن شديد. قال ابن كثير: (أي: وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا بل كانوا شاكّين فيما قالوه غير

محققين لشيء كانوا فيه. هكذا وجّهه ابن جرير وهو محتمل) ..

كلمة في السياق: [المجموعة الثامنة حول صلتها بمقدمة السورة وبالمجموعة السابعة وبالمحور والسياق القريب والبعيد]

١ - يذهب النسفي إلى أنّ قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ .. بدل من قوله تعالى .. إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا .. وهذا يفيد أن المراد بالكفر بالآيات في الآية الأولى الكفر بالقرآن، وليس هذا صحيحا فيما أرى لأن قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا جاء بعد ذكر آيات كونية. فالآيات الكونية داخلة في الآية، وفي عموم الآيات تدخل الآيات القرآنية، ومن ثم قلنا من قبل إنّ تأخير قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا .. عن أول المجموعة جعل الآية تؤدي أكثر من خدمة، إذ دخل في ذلك الآيات الكونية، والآيات القرآنية.

٢ - في مقدّمة سورة فصّلت قال تعالى عن القرآن: بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ وفي هذه المجموعة بيّن الله عزّ وجل أن القرآن بالنسبة للذين لا يؤمنون عمى، وأنّهم لا يسمعونه؛ لأنّ في آذانهم وقرا، فههنا قرّر أنّ ما قالوه عن أنفسهم صحيح، ولكنه عرض في سياق التدليل على أن القرآن حق، وأن خصائصه تدلّ على ذلك. وأن القرآن لأهل الإيمان هدى وشفاء، ولكن المرض

<<  <  ج: ص:  >  >>