للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله تعالى عنهم- بعده- عليه الصلاة والسلام-، وكانت بينهم أيضا في الأحكام كقتال أهل الرّدة وميراث الجد وعدد حدّ الخمر وغير ذلك. والمراد بالأحكام ما لم يكن لهم فيه نص شرعي فالشورى لا معنى لها، وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله- عزّ وجل- إلى آراء الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير. ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن علي- كرم الله تعالى وجهه- قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن، ولم يسمع منك فيه شئ قال: اجمعوا له العابدين من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد، وينبغي أن يكون المستشار عاقلا كما ينبغي أن يكون عابدا، فقد أخرج الخطيب أيضا عن أبي هريرة- مرفوعا-:

«استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا». والشورى- على الوجه الذي ذكرناه- من جملة أسباب صلاح الأرض، ففي الحديث «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها». وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان إفساد الدين والدنيا أكثر من إصلاحها).

وقال صاحب الظلال عند الآية نفسها: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ:

والتعبير يجعل أمرهم كله شورى؛ ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة. وهو- كما قلنا- نص مكي، كان قبل قيام الدولة الإسلامية. فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين. إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد.

والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية. والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.

ومن ثم كان طابع الجماعة في الشورى مبكرا، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها. إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية، وهي من ألزم صفات القيادة.

أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوبا في قالب حديدي، فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان؛ لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية.

والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالا جامدة، وليست نصوصا حرفية، إنما هي-

<<  <  ج: ص:  >  >>