للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسفي: فالأمّة الطريقة التي تؤم أي تقصد وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ أي: آثار الآباء، أي وراءهم مُهْتَدُونَ وكذبوا فلا هداية لهم. وإنما هي دعوى منهم بلا دليل، والآية تفيد أنّه ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد. قال النسفي في الآية: (أي بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل، ولا من حيث السمع إلا قولهم: إنا وجدنا آباءنا على أمة .. فقلّدناهم) قال تعالى

وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ أي: نبيّ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها قال النسفي: أي متنعموها وهم الذين أترفتهم النعمة أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاقّ الدين وتكاليفه إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قال النسفي: وهذا تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلم وبيان أن تقليد الآباء داء قديم

قالَ أي: وأنت قل أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ أي:

أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ وإن جئتنا بما هو أهدى. قال ابن كثير: أي ولو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به لما انقادوا لذلك؛ لسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله.

قال تعالى:

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ أي: فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم بأنواع من العذاب، كما فصّله تبارك وتعالى في قصصهم فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ قال ابن كثير:

أي كيف بادوا وهلكوا، وكيف نجّى الله المؤمنين.

وبعد أن ذكر الله عزّ وجل أنّ علّة هؤلاء هو تقليد الآباء بغير حجة ولا دليل ولا برهان يذكر لنا- فيما يأتي- نموذجا لموقف الإنسان الكامل المتحرر من التقليد الباطل للآباء، وذلك في شخصية إبراهيم عليه السلام

وَإِذْ واذكر إذ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ أي: برئ مِمَّا تَعْبُدُونَ

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فإنني أعبده وحده فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ أي: يثبتني على الهداية

وَجَعَلَها أي: وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: في ذريته فلا يزال فيهم من يوحّد الله ويدعو إلى توحيده لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قال النسفي: أي لعلّ من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحّد منهم، والترجّي لإبراهيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>