للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصباء إلى الفقراء، ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك. ويذمون من لم يدخل فيه). فأنت تلاحظ من صفة الميسر هذه أن ما يسمى باليانصيب اليوم الذي قد يكون قسم منه للفقراء، والقسم الكبير منه يذهب إلى المؤسسات، وإلى من يربح من أصحاب بعض الأرقام. هو من الميسر المحرم. وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ: الْعَفْوَ. أخرج ابن أبي حاتم أن معاذ بن جبل، وثعلبة (رضي الله عنهما) أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول صلى الله عليه وسلم، إن لنا أرقاء وأهلين من أموالنا. فأنزل الله:

وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ: الْعَفْوَ.

والسؤال هنا- والله أعلم- عن مقدار ما ينفقون، وما يتركونه لأنفسهم. فكان الجواب أن ينفقوا ما فضل عن مقدار حاجة أنفسهم وأهليهم. فلا ينفق الإنسان ما يجهده، أو يجهد أهله، ثم يقعد يسأل الناس. روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: (قال رجل يا رسول الله! عندي دينار. قال: «أنفقه على نفسك».

قال: عندي آخر. قال: «أنفقه على أهلك». قال: عندي آخر. قال: «أنفقه على ولدك». قال: عندي آخر. قال: «فأنت أبصر»). وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى. واليد العليا خير من اليد السفلى. وابدأ بمن تعول». وهل الأمر بإنفاق العفو كان فرضا في أول الإسلام ثم نسخت الفريضة بآية الزكاة، وبقي إنفاق العفو على الندب؟. قاله ابن عباس، ولم يذكر النسفي غيره. أو أن الأمر بإنفاق العفو كان مندوبا في الأصل، وبقي على الندب ثم جاءت آية الزكاة لتحدد المفروض؟. أو أن الأمر بإنفاق العفو كان فرضا، وجاءت آية الزكاة لتحدد هذا العفو الواجب، فآية الزكاة إذن مبينة؟. قاله مجاهد وغيره. قال ابن كثير: وهو أوجه، وعلى كل حال، فالزكاة هي فريضة المال، وفي المال واجبات أخرى. ويبقى إنفاق ما زاد عن الحاجة نافلة. وفي الحديث: «ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك. ولا تلام على كفاف».

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ: أي مثل هذا التبيين المار بينه الله لكم لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين. فتأخذون بما هو أصلح لكم، أو تتفكرون في الدارين، فتؤثرون أبقاهما، وأكثرهما منافع. فصار المعنى العام: كما فصل لكم هذه الأحكام، وبينها، وأوضحها، كذلك يبين لكم سائر الآيات في أحكامه، ووعده، ووعيده، لعلكم تتفكرون في شأن الدنيا، وفنائها. وأنها دار بلاء، ثم دار فناء. وإقبال الآخرة، وبقائها. وأنها دار جزاء، ثم دار بقاء فتعلمون

<<  <  ج: ص:  >  >>