للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ألا يعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما الله فاعل به. وقد علم أنه في الجنة، ولكن قال لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا. أخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبلي؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟

وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير، وأنه لا يجوز غيره، ولا شك أن هذا هو اللائق به صلّى الله عليه وسلم فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا؟ أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم).

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ أي: إنما أتّبع ما ينزله الله عليّ من الوحي، فما أنا إلا عبد الله، منفذ لأمره، وذلك دليل على أنني صادق في دعوى الرسالة على الله، ومن ثمّ فأنا أكثركم التزاما بما أدعو إليه وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: مبين النذارة، أمري ظاهر لكل ذي لب وعقل. أقام الله عليهم الحجة بأن رسوله صادق في هذه الآية بظهور خصائص الرسالة عليه، ومن جملة ذلك التواضع والالتزام الكامل بما يدعو إليه، والنذارة في أمر الآخرة.

والآن يأتي الجواب الثالث على زعمهم أن محمدا صلّى الله عليه وسلم افترى هذا القرآن.

الجواب الثالث:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ قال ابن كثير:

أي ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله عليّ لأبلغكموه وقد كفرتم به وكذبتموه. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ قال النسفي: أي مثله في المعنى، وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن، من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك. فَآمَنَ قال ابن كثير: أي هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيّته وَاسْتَكْبَرْتُمْ أنتم عن اتباعه. قال ابن كثير:

(وهذا الشاهد اسم جنس يعمّ عبد الله بن سلام رضي الله عنه وغيره. فإن هذه الآية مكية.) وسنرى في الفوائد تحقيق ذلك، ثم ختم الله الآية بقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ دلّت هذه الجملة على جواب الشرط (إن) والتقدير إن كان القرآن من عند الله، وكفرتم به، ألستم ظالمين، وإذا كنتم ظالمين فإن الله عزّ وجل لا يهديكم لقيام الحجة عليكم، واستكباركم عن الخضوع لها، فأصبح معنى الآية كما قال النسفي:

(والمعنى .. قل أخبروني إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به، واجتمع

<<  <  ج: ص:  >  >>