للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم الرضاع والرعاية. حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية. وهي مع هذا وذلك فرحة سعيدة رحيمة ودود. لا تمل أبدا ولا تكره تعب هذا الوليد! وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء أن تراه يسلم وينمو. فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد! فأنى يبلغ الإنسان في جزاء هذه التضحية، مهما يفعل وهو لا يفعل إلا القليل الزهيد؟ وصدق رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وقد جاءه رجل كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها، فسأله- صلّى الله عليه وسلم-: هل أديت حقها؟ فأجابه: «لا، ولا بزفرة واحدة». رواه أبو بكر البزار بإسناده).

٤ - [كلام ابن كثير حول آية وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ... ]

بمناسبة قوله تعالى وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً قال ابن كثير: وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ (الآية:

١٤) وقوله تبارك وتعالى وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ (البقرة: ٢٣٣) على أن أفل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، قال محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن عبد الله ابن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت وما يبكيك؟

فو الله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط فيقضي الله سبحانه وتعالى فيّ ما شاء، فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فأتاه فقال له: ما تصنع؟ قال: ولدت تماما لستة أشهر، وهل يكون ذلك؟ فقال له علي رضي الله عنه: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: أما سمعت الله عزّ وجل يقول وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وقال حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال:

فقال عثمان رضي الله عنه: والله ما فطنت بهذا، عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها قال: فقال معمر: فو الله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة، بأشبه منه بأبيه، فلما رآه أبوه قال: ابني والله لا أشك فيه، قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة ما زالت تأكله حتى مات رواه ابن أبي حاتم وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله عزّ وجل فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (الزخرف: ٨١). وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين؛ لأن الله تعالى يقول وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>