للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنفاق الواجب كالزكاة، وصدقة الفطر، والنفقة على من تجب إعالتهم، وعلى من عرفت حاجتهم، وغير ذلك من النفقات الواجبة ودخل في ذلك الإنفاق النافلة. لأن الأمر كان بالإنفاق مما رزقنا الله، وليس كل ما رزقنا الله إياه أوجب فيه نفقة مفروضة.

ومن هنا نفهم حكمة تأخير هذه الفقرة. إذ جاءت بعد أن عرضت علينا السورة صورا من الإنفاق الواجب والمندوب. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ الخلة: الصداقة. والشفاعة للمؤمنين ثابتة بنصوص كثيرة. فالشفاعة المنفية في هذا اليوم إنما هي الشفاعة للكافرين، أو أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة التي لم يأذن بها.

فصار المعنى: أنفقوا من قبل أن يأتي يوم القيامة. يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق. لأنه لا بيع فيه حتى تبتاعوا ما تنفقونه. ولأنه لا صداقة بين كافر وكافر. فالجميع يتبرءون من بعضهم، والجميع لا مقام لهم عند الله، فينتفعون من صداقتهم، ولأنه لا شفاعة يومئذ تنفع عنده إلا بإذنه. ولم يأذن أن يشفع لكافر. فإذا كان الأمر كذلك فأنفقوا لله، وفي سبيله، وفي محال الإنفاق، لا تراعوا في ذلك إلا أن يكون ذلك لوجه الله خالصا فهذا وحده ينفعكم. وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي: والكافر هو الظالم نفسه، بتركه التقديم ليوم حاجته. حصر الله عزّ وجل الظلم بأهل الكفر، لأنه لا أظلم منهم في موافقهم من ربهم، ودينه، ورسله، وأهله. ولا أظلم منهم لأنفسهم، إذ أوردوها النار. وأي شئ أفظع من النار: السجن الأبدي للكافرين. وإن في هذه الآية لدواء لمن مرض قلبه بالإعجاب بالكافرين وبعدالتهم فالكافر هو الظالم مهما ظهر على يده من بعض حيثيات العدل قال عطاء بن دينار:

(الحمد لله الذي قال والكافرون هم الظالمون. ولم يقل والظالمون هم الكافرون). لأنه لا يوجد من لا يظلم نفسه نوع ظلم إلا من عصم الله.

[كلمة في السياق]

١ - تذكرنا هذه الآية أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ بقوله تعالى في أول سورة البقرة:

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فإذا كانت هذه الفقرة لها علاقة بالإنفاق، فإننا ندرك سرا من أسرار السياق. إذ نجد في هذه الفقرة تفصيلا لما أجمل في بدايات سورة البقرة.

٢ - نحب أن نذكر بمعنى طرقناه أكثر من مرة. هو أننا إذا نظرنا إلى بعض الآيات من خلال السياق العام، فإنها تدلنا على معان، وإذا نظرنا إليها منفردة تدلنا على معان، وإذا نظرنا إلى كلمة منها على انفراد نأخذ معان، وهكذا جعل الله كتابه، لا تنتهي

<<  <  ج: ص:  >  >>