للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الله أكبر، والله محيط بهم وبأعمالهم، وهو يتولى أمر المؤمنين، ويدافع عنهم، ويعاقب هؤلاء وينتقم منهم.

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ، فهذا تطمين للمؤمنين وتهديد للمنافقين والمعنى أنه تعالى مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع. قال ابن كثير نقلا عن ابن جرير: «لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله عزّ وجل بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك». فيملي لهم تعالى ويزيدهم من نعمه على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم؛ ليستمروا في طغيانهم يترددون؛ فتقوم عليهم الحجة باستحقاقهم عقوبة الدنيا والآخرة. والطغيان: مجاوزة الحد والإمداد: الإملاء، والعمه: هو الضلال والضياع، وقال بعضهم العمى في العين والعمه في القلب.

ثم بين الله عزّ وجل واقع هؤلاء المنافقين الذين بدأ الكلام عنهم بقوله وَمِنَ النَّاسِ فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ بين الله عزّ وجل في هذه الآية: أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة، أي بذلوا الهدى الذي هو الإيمان ثمنا للضلالة التي هي الكفر، سواء في ذلك من كان منهم حصل له الإيمان ثم رجع إلى الكفر، أو من كان منهم استحب الضلالة على الهدى، دون أن يكون الإيمان قد أصاب قلوبهم من قبل مع تظاهر الجميع بالإيمان؛ فما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، وما كانوا راشدين في صنيعهم ذلك. قال قتادة: «قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة»، فليحصلوا ما حصلوا من أمر الدنيا فإنهم الخاسرون.

وبعد هذا البيان عن حقيقة المنافقين وبعد أن أعطانا الله عزّ وجل نماذج من أقوالهم ومواقفهم نعرفهم بها، يضرب الله لنا مثلين نعرف بهما حال المنافقين معرفة تامة:

المثل الأول: لنوع من المنافقين وصلوا إلى النفاق الخالص بعد أن كانوا مؤمنين.

والمثل الثاني: لنوع من المنافقين لا زالوا مترددين، الأولون لم يعد فيهم أمل للرجوع إلى الإيمان، أما الآخرون فلم يقنطوا، وبعض المفسرين اعتبر المثلين لنوع واحد، وهذا خطأ، لأن أهل المثل الأول قال الله عنهم ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وقال صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ بينما قال عن الآخرين كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ، وابن كثير وضح

<<  <  ج: ص:  >  >>