للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي نعمة تستوجب ذكرا وشكرا. وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ الشفا:

الحرف والطرف، أي: وكنتم على طرف حفرة من النار؛ بما كنتم عليه من الكفر ليس بينكم وبين النار إلا أن تموتوا، فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها أي: فأنقذكم الله منها بفضله وكرمه، إذ هداكم للإسلام. كَذلِكَ أي: كمثل هذا البيان البليغ، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ أي: يوضحها لكم، ويذكركم بها في قرآنه. لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي:

لتهتدوا إلى الصواب، وما ينال به الثواب. أو لتكونوا مهتدين.

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ تحتمل معنيين: الأول أن تكون (من) للبيان، أي:

ولتكونوا أمة، ويكون هذا أمر لجميع الأمة بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والثاني: أن تكون (من) للتبعيض، فيكون الأمر هنا لبعض الأمة أن يكون منها من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وتكون المسألة من باب فروض الكفايات، والأمة هنا الجماعة. يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. الدعوة إلى الخير هي الدعوة إلى الكتاب والسنة، والمعروف: ما استحسنه الشرع والعقل الذي لا يناقض الشرع، أو ما وافق الكتاب والسنة، أو هو الطاعة، أو هو المباح والمندوب، والواجب والفرض.

والمنكر: ما استقبحه الشرع والعقل الموافق للشرع، أو ما خالف الكتاب والسنة، أو هو المعاصي، أو هو المكروه والحرام. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي: هم الأخصاء بالفلاح الكامل.

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا تفرقوا في العداوة، واختلفوا في الديانة، فكفر بعضهم بعضا. مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ الواضحات الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة: وهي كلمة الحق. وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ أي: يوم القيامة تبيض وجوه أهل الحق، والجماعة، والسنة وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وجوه أهل الباطل، والفرقة، والبدعة، أو تبيض وجوه المؤمنين، وتسود وجوه الكافرين، والبياض من النور، والسواد من الظلمة، وللمؤمن نوره ولو كان أسود اللون، وللكافر ظلمته ولو كان أبيض. فالسواد والبياض عند الله إنما هما ظلمة الكفر ونور الإيمان فالعبرة لبياض القلب أو ظلمته. فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ وهذا توبيخ لهم، وتعجيب من حالهم، وما المراد بالإيمان هنا؟ هل المراد به الإيمان في عالم الذر يوم الميثاق إذ قالت الأرواح مقرة لله بالربوبية: بلى؟ فيكون المراد بهذا الخطاب جميع الكفار، أو المراد بالإيمان هنا الإيمان الدنيوي فيكون المراد بهذا أهل النفاق، والمرتدين إذ كفروا بعد الإيمان، أو كفروا باطنا، وأظهروا الإيمان ظاهرا، أو المراد به هنا إيمان أهل الكتاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>