للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَدْبارَ منهزمين، فلا يثبتون أمامكم. ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ أي: ثم لا يكون لهم نصر من أحد، ولا يمنعون منكم، وهذه أعظم بشارة لنا إن كنا مؤمنين حقا. خاصة في صراعنا مع اليهود، وأما هزائمنا أمامهم،

فتدل على أن الذين يقاتلونهم لم يتحققوا بصفات الإيمان، وهذا ظاهر إذ اللواء الذي قاتل تحته العرب فهزموا حتى الآن، إنما هو لواء الكفر، والفسوق، وإلا فالوقائع الماضية للمؤمنين مع أهل الكتاب شاهدة لما ذكرته الآية ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا هذا الكلام خاص باليهود، بدليل ما يأتي من صفاتهم التي هي علم عليهم. والآية تفيد أن اليهود قد ألزموا الذلة أينما وجدوا، وذلك بدفعهم الجزية لكل دولة يعيشون في ظلها، وخوفهم الدائم أينما كانوا.

مما يضطرهم لفعل الذليل من الأعمال، نفاقا واتقاء شر. ثم استثنى الله حالة عرفناها في عصرنا إذ قامت لهم دولة في فلسطين. قال تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ أي: إلا بإمداد من الله، وإمداد من الناس، إلا بسبب يعطيهم الله إياه، وبسبب من الناس يكون لهم، فترتفع عنهم الذلة بذلك ويكون لهم دولة وسلطان، وهذا ما حدث الآن إذ أمدهم الله، وسخر لهم وسلطهم علينا بظلمنا، وإذ تمالأ العالم كله لصالحهم يمدهم ويحميهم، ويكيد لهم، ويخدمهم، فكان ما نعلمه، ولكنه حدث عارض بدليل ما سيمر معنا في سورة الأعراف، وفي سورة الإسراء. وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي: ألزموا بغضب الله بما استوجبوه من ذلك

وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ أي خوف الفقر هنا مع قيام اليسار. فهم لا يرون إلا مساكين متظاهرين بذلك، أو متحققين- وسبب هذا كله- وهو تهديد لنا أن نفعل مثل فعلهم، فنستحق ما استحقوه هم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ أي: سبب ضرب الذلة والمسكنة عليهم، وبوئهم بغضب الله، كفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق. ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ أي: سبب قتلهم الأنبياء، وكفرهم، هو عصيانهم لله، واعتداؤهم حدوده فالعصيان والاعتداء هما مقدمتا

الكفر والجرأة على سفك دم أهل الإيمان. وقد كفر كثيرون من هذه الأمة في عصرنا، حكاما ومحكومين، وقتلوا الدعاة إلى الله، وتجاوزوا حدوده، ووقعوا في معاصيه. أيستغرب بعد ذلك أن يغلبهم اليهود في معاركهم، وما غلب اليهود المسلمين، وإنما غلبوا أمثالهم. وإذ ذكر الله منذ قليل أن من أهل الكتاب من يؤمن، وأكثرهم المستمر على الكفر. فالآن يبين فضل الأولين،

بعد أن بين خسران الآخرين قال تعالى: لَيْسُوا سَواءً أي ليسوا

<<  <  ج: ص:  >  >>