للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موعوده للمؤمنين بالنصر من مثل قوله تعالى وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ.

ومن مثل قوله تعالى سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ومعنى الآية. ولقد صدقكم الله وعده بالنصر والغلبة يوم أحد، إذ كان عدوكم ثلاثة آلاف، وأنتم ما بين الستمائة إلى السبعمائة، إذ تقتلون أعداءكم قتلا ذريعا بتسليط الله إياكم عليهم، قال ابن عباس: وقد كان النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المشركون جولة نحو الجبل (أى هاربين). وقال الزبير بن العوام رضي الله عنه كما يرويه ابن إسحاق: «والله لقد رأيتني انظر إلى خدم هند وصواحباتها مشمرات هوارب». فهذا تحقيق قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ أي: حقق لكم ما وعدكم به، وهذا جواب تساؤل. قال النسفي: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزل (أي هذه الآيات وما بعدها). وقبل أن نبدأ باستعراض الأسباب التي أدت إلى الهزيمة، نحب أن نذكر فكرة سريعة تكون كمقدمة للدروس التي سنأخذها من هذا السياق من خلال عبرة أحد:

فى معركة بدر انتصرت القلة على الكثرة، رغم تفوق الكثرة على القلة بالعدة والعتاد، والعبرة التى نأخذها من هذا أن قوانين النصر المادية من تفوق بالعدة والعدد والتدريب والسلاح والقيادة، وفن القتال، وأمثال ذلك، لا تعمل عملها إذا وجد جند الله، ولا يعني هذا أن جند الله يهملون!، لا بل عليهم أن يبذلوا جهدهم في كل شئ، ويدخلوا المعركة متوكلين على الله ليظهر الله فيهم سنته الأخرى؛ إذ وجد جنده، حيث ينصر جنده على تخلف عندهم في عالم الأسباب، مع عدم تقصيرهم في الأخذ بها، ومع عدم اعتمادهم عليها. ولكن هذا متوقف على توفر شروط الجندية الكاملة لله، من قيادة ربانية، وجند رباني، وطاعة في الله، وتقوى خاصة وعامة وغير ذلك مما سنراه.

وفي معركة أحد تخلف عن جند الله النصر بعد أن أعطوه في ابتداء الأمر لخلل- كما سنرى- في الانضباط والنيات. فحلت بهم الهزيمة، فدل ذلك على أن وعد الله للمؤمنين بالنصر مشروط بقيام المؤمنين بأوامر الله في كل شئونهم. ومن ثم فقد تركت هاتان المعركتان آثارهما في نفوس المسلمين إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>