للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها من التنعم برزق الله. وشرط هذه الحال: أن يكون القتل في سبيل الله، أي: من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا كما قال عليه السلام: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

ثم وصف الله- عزّ وجل- حالهم في حياتهم ورزقهم:

فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من توفيقه لهم للشهادة، وما ساق إليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين، معجلا لهم رزق الجنة ونعيمها، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ. أي: ويستبشرون بإخوانهم المجاهدين الذين لم يقتلوا بعد فيلحقوا بهم. بل بقوا خلفهم يتابعون جهادهم.

أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أي: لا يخافون مما أمامهم، ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم. فهم فرحون لأنفسهم، فرحون لإخوانهم الذين من ورائهم، وإنما استبشروا لإخوانهم بتبشير الله لهم. وفي ذكر الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على الجد في الجهاد، والرغبة في نيل منازل الشهداء.

فكأنها قالت للباقين: إن إخوانكم الذين سبقوكم وجدوا خيرا، فلم يحزنوا على فائت ورأوا ما سرهم فالحقوهم يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ. أي: يسرون بثلاثة أمور: بما أنعم الله عليهم، وبما تفضل الله عليهم من زيادة الكرامة، وبسرورهم بإعطاء الله المؤمنين أجورهم كاملة موفرة. هذا حال من قتل يوم أحد. ويأتي الآن وصف من بقي: فإذا نقلنا الآيات إلى العموم المعتاد، إذ القاعدة أن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ، نعرف أن ما ذكر لكل شهيد، وأن ما يأتي هو حال المؤمنين في كل زمان. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم النماذج العليا في هذا الباب. ولنذكر سبب النزول مقدمة لتفسير الآيات اللاحقة ليعين ذلك على الفهم.

لما أصاب المشركون ما أصابوا يوم أحد، كروا راجعين إلى بلادهم، فلما استمروا في سيرهم ندموا لم لم يستأصلوا المسلمين. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم، ويريهم أن بهم قوة وجلدا، ولم يأذن لأحد إلا لمن حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبد الله لما سنذكره، فنهض المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان؛ طاعة لله- عزّ وجل- ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وكان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال، وكان انتداب المسلمين للخروج يوم الأحد لست عشرة ليلة من شوال. فكانت استجابتهم الرائعة بعد كل ما أصابهم هو الموقف الأروع الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>