للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتادة: ميز بينهم بالجهاد والهجرة.

[المعنى الحرفي]

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ. أي: لا يحسبن الكافرون أن إملاءنا لهم خير لهم. والإملاء لهم: إمهالهم وإطالة عمرهم، والتوسعة عليهم، وعدم التضييق عليهم. ثم بين لماذا ليس الإملاء خيرا لهم فقال: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً. أي: ليزدادوا خطايا فيزدادوا عذابا. وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي: مذل.

فالإملاء الذي يعقبه عذاب وإذلال، ليس خيرا لصاحبه، بل هو استدراج له.

وكما يملي للكافرين، فإنه يمتحن المؤمنين ولذلك قال: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ. أي: ما كان الله ليترك المؤمنين على ما هم فيه من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافقين. حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. أي: حتى يعزل المنافق عن المخلص.

والخطاب في قوله تعالى: عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ للمخلصين منهم. فكأن المعنى: ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط مع غيرهم، حتى يميز المخلص منكم عن غيره، وذلك بواسطة المحنة. قال ابن كثير في تفسير ما مر: أي لا بد أن يعقد شيئا من المحنة يظهر فيه وليه، ويفضح فيه عدوه، يعرف به المؤمن الصابر، من المنافق الفاجر، ولذلك قال تعالى بعد هذا: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ أي: جرت سنة الله أن لا يطلع عامة خلقه على الغيوب، وإذ كان الإيمان والنفاق غيبا، فقد جرت سنة الله أن يتم التمييز بين المؤمن والمنافق لأهل الإيمان بما يفعله من الأسباب الكاشفة عن ذلك، وذلك بواسطة الابتلاءات، والامتحانات. ويشعر قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ بمعنى زائد على ما ذكرنا، وهو أن الله يعلم الغيب وحده، وهو يحب عباده المؤمنين، فثقوا به، وتوكلوا عليه في المحنة، فإن مآلها بالنسبة لكم خير، والله أعلم.

وبعد أن بين الله، أنه وحده يعلم الغيب، وأنه لا يطلع عباده على غيبه قال:

وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ. أي: ولكن الله يصطفي من رسله من يشاء، وهي هنا تعني: ولكن الله يرسل الرسول فيوحي إليه، ويخبره بشيء من الغيب ومن ذلك: إيمان ناس ونفاق آخرين، فهو يعلم ذلك من جهة إخبار الله له لا من جهة نفسه. وقد فهمنا هذا من مجئ قوله «ولكن» بعد قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ. وذكر معرفة الله الغيب، وعدم معرفتنا، وذكر اجتباء الله الرسول واطلاعه على شئ من الغيب، يفيد المطالبة لنا بزيادة التوكل على الله. ومن ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>