للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرات. ولم يضيق الله عليه في ذلك. بل وسع عليه أن يتزوج حتى الأربع من النساء. وذلك من أجل أن لا يقع ظلم. ثم أمر أن تعطى المرأة مهرها، فريضة واجبة على الرجل. فإن طابت هي له- بعد تسميته- عنه، أو عن شئ منه فليأكله حلالا، طيبا له.

وعلى هذا فإننا نفهم من السياق أن من قضايا التقوى الرئيسية، عدم ظلم اليتامى، وخاصة إذا كن نساء. والاقتصار في الزواج على أربع، وإعطاء المرأة مهرها، وعدم الاعتداء عليه. فإعطاء الحق لليتيم والمرأة من أول مظاهر التقوى. ومن ثم صدرت سورة النساء بهذا الموضوع.

[المعنى الحرفي]

وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ. اليتم في اللغة: الانفراد. وفي الشريعة: من مات أبوه، فانفرد عنه. وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار. لبقاء معنى الانفراد عن الآباء. إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال. فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم زال هذا الاسم عنهم. قال صلى الله عليه وسلم «لا يتم بعد الحلم».

يعني إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار. ومعنى النص: آتوا اليتامى أموالهم بعد البلوغ. وسماهم يتامى مع أنه لا يتم بعد حلم، لقرب عهدهم بالصغر. وفيه إشارة إلى أنه لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ، إن أنس منهم الرشد. وأن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار بحكم الاستمرار، وذلك بمجرد البلوغ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ. أي: ولا تستبدلوا الحرام- وهو مال اليتامى- بالحلال:

وهو مالكم، أو تستبدلوا الأمر الخبيث، وهو اختزال أموال اليتامى، بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها. وقال سفيان الثوري عن أبي صالح في تفسيرها: (لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك). وقال السدي: (كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها الشاة المهزولة. ويقول:

شاة بشاة. ويأخذ الدرهم الجيد، ويطرح مكانه الزيف ويقول: درهم بدرهم).

وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ. أي: لا تخلطوها فتأكلوها جميعا، أو تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم، قلة مبالاة بما لا يحل لكم وتسوية بينه وبين الحلال. إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً. أي: إن أكلها كان ذنبا عظيما.

فالحوب: هو الإثم. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم، وخطأ كبير

<<  <  ج: ص:  >  >>