للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» فدل على أن كل ما كان قبل الموت فهو قريب. (ومن) في قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ للتبعيض، فصار المعنى: أي: يتوبون بعض زمان قريب، كأنه سمى ما بين وجود المعصية، وبين حضرة الموت زمانا قريبا فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هذه عدة من الله تعالى لمن تاب، فإنه يفي له، وإعلام بأن الغفران كائن. وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً عليما بعزمهم على التوبة، حكيما بفتح باب التوبة، وجعله الندم توبة.

وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ. أي لا توبة للذين يذنبون ويسوفون توبتهم إلى أن يزول حال التكليف بحضور أسباب الموت، ومعاينة ملك الموت، فإن توبة هؤلاء غير مقبولة؛ لأنها حالة اضطرار لا حالة اختيار، وقبول التوبة ثواب، ولا وعد به إلا لمختار؛ وبعد أن ذكر ابن كثير أحاديث تؤيد هذا قال: فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله- عزّ وجل- وهو يرجو الحياة فإن توبته مقبولة، وقال: وأما متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وخرجت الروح عن الحلق، وضاق به الصدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم (جمع غلصمة: وهي اللحم بين الرأس والعنق) فلا توبة مقبولة حينئذ ولات حين مناص». وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ. أي: وليست التوبة للذين يموتون وهم كفار أُولئِكَ دخل في ذلك الذين ماتوا ولم يتوبوا، والذين ماتوا وهم كفار أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

أي: هيأنا وحضرنا لهم عذابا مؤلما. ولسعيد بن جبير فهم في هاتين الآيتين: فقوله تعالى إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ .. جعلها في المؤمنين. وقوله تعالى وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ .. قالَ إِنِّي تُبْتُ جعلها في المنافقين، وقوله تعالى وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ .. جعلها في الكافرين.

[فوائد]

١ - آية وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ منسوخة كما رأينا بما نزل في الموضوع في سورة النور، وآية وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ .. إن فسرت بأن المراد منها الزاني والزانية فهي منسوخة، وإن فسرت بأن المراد منها الفاعل والمفعول به فهي غير منسوخة، وتكون دليلا ظاهرا لأبي حنيفة في أنه يعزر في اللواطة، ولا يحد حد الزنى، وقد يصل التعزير عنده إلى القتل. وهذه المسألة ترجع عنده إلى رأي الإمام، فإن شاء عزر بما هو الأشد حتى القتل، وإن شاء عزر بما دون ذلك وعليه يحمل ما ورد في تعدد العقوبات الواردة في شأن الفاعل والمفعول فيه؛ ومن ذلك ما رواه أصحاب السنن عن

<<  <  ج: ص:  >  >>