للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكمال عقله، وطول إعذار الله سبحانه إليه، والصارف للملك عن الكذب قدرته على نيل اختياره دون كذب، إذ لا يخشى أحدًا، والصارف للعائل عن الاستكبار فقره، لأن الاستكبار إنما هو بالدنيا، وليست عنده فاستكباره عناد اهـ.

وقال القرطبي: وإنما غلظ العقاب على هؤلاء الثلاثة لأن الحامل لهم على تلك المعاصي محض المعاندة، واستخفاف أمر تلك المعاصي التي اقتحموها، إذ لم يحملهم على ذلك حاملٌ حاجِي، ولا دعتهم إليها ضرورة كما يدعو من لم يكن مثلهم.

وبيان ذلك أن الشيخ لا حاجة ولا داعية له تدعوه إلى الزنا، لضعف داعية النكاح في حقه ولكمال عقله، ولقرب أجله، إذ قد انتهى إلى طرف عمره، ومثله في ذلك الملك الكذاب، إذ لا حاجة له إلى الكذب، فإنه يمكنه أن يمشي أغراضه بالصدق، فإن خاف من الصدق مفسدة ورَّى، وأما العائل المستكبر فاستحق ذلك لغلبة الكبر على نفسه إذ لا سبب له من خارج يحمله على الكبر، فإن الكبر غالبًا إنما يكون بالمال والخدم والجاه، وهو قد عدم ذلك كله، فلا موجب له إلَّا غلبة الكبر على نفسه، وقلة مبالاته بتحريمه، وتوعيد الشرع عليه، مع أن اللائق به والمناسب لحاله الرقة والتواضع لفقره وعجزه اهـ.

فلم يبق في زنا الأول، وكذب الثاني، واستكبار الثالث إلَّا ضربًا من الاستخفاف بحق الله تعالى، ومعاندة نواهيه وأوامره، وقلة الخوف من وعيده إذ لم يبق ثم حامل لهم على هذا سواه مع سبق القدر لهم بالشقاء، فهؤلاء الثلاثة إن استحلوا ذلك فقد خرجوا من الملة فلا إيمان لهم، وإلا فهم عاصون بارتكاب الكبائر فلا بد من معاقبتهم على ذلك إن لم يتوبوا، ولم يسمح الله لهم، فبهذا التأويل يطابق الحديث التَّرجمة.

قال الأبي: فإن وجد من الشيوخ من لم تنكسر حدته، فلا يكون مساويًا للشاب لأن التعليل بالوصف لا يضره تخلف الحكمة في بعض الصور، كالملك المسافر يقصر وإن لم تلحقه المشقة فإن احتاج الملك إلى الكذب في مداهنة بعض المفسدين لم يلحقه الوعيد، لأنه أحد المواضع التي استثني فيها جواز الكذب، ويلحق بالثلاثة من شركهم في المعنى الموجب للوعيد كسرقة الغني فإنها ليست كسرقة المحتاج، ولا يبعد أن يكون المدح في أضداد هذه الأنواع أيضًا يتفاوت، فالعفة من الشاب أمدح منها من الشيخ، والصدق من غير الملك أمدح منه من الملك، والتواضع من الغني أمدح منه من الفقير،

<<  <  ج: ص:  >  >>