للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء المرائين في زماننا هذا، وإذا كان هذا حكم من مدح الفاسق فكيف بمن مدح الظالم، وركن إليه ركونًا، وقد قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} قال إنما عبر بالفعل في الموضعين ليفيد معنى، لا يكن منكم ركون ما إلى من وقع منه ظلم ما، قال في الكشاف: النهي يتناول الانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم اهـ منه أيضًا.

وعبارة المفهم: وقوله: (على قلبين أبيض مثل الصفا) أي قلب أبيض فحذف الموصوف للعلم به، وأقام الصفة مقامَه، وليس تشبيهه بالصفا من جهة بياضه، ولكن من جهة صلابته على عقد الإيمان، وسلامته من الخلل والفتن، إذ لم يلصق به ولم يؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء، بخلاف القلب الآخر الذي شبهه بالكوز الخاوي، لأنه فارغ من الإيمان والأمانة.

وقوله: (والآخر أسود مربادًا) ضبطوا مربادًا بثلاث تقييدات: الأول: مرباد على زنة مِفعال من اربادَّ السداسي مثل مصفارِّ من اصفارَّ وهو رواية الخُشَني عن الطبري، والثاني: مربد مثل مسود ومحمر من اربد واسود واحمر، وهو ضبط أبي مروان بن السراج، والثالث: مربئد بالهمز بين الباء والدال وهو ضبط العذري، وكأنه من ارباد لغة فيه، وقال بعض اللغويين: يقال احمر الشيء، فإذا قوي قيل: احْمَارَّ، فإذا زاد قيل: احمأر بالهمز، فعلى هذا تكون تلك الروايات كلها صوابًا، قال أبو عبيد عن أبي عمرو وغيره: الربدة لون بين السواد والغبرة، وقال ابن دريد: الربدة: الكدرة، وقال الحربي: هو لون النعام بعضه أسود وبعضه أبيض، ومنه اربدَّ لونه إذا تغير ودخله سوادٌ، وإنما سُمي النعام ربدًا لأن أعالي ريشها إلى السواد، وقال نفطويه: المربد الملمع بسواد وبياض، ومنه تربد لونه أي تلون فصار كلون الرماد.

وقوله (كالكوز مُجَخِّيًا) قال الهروي: المُجَخِّي المائلُ، ويقال: جخَّى إذا فتح عضُدَيه في السجود، وكذلك جخَّ وقال شمر: جخَّى في صلاته: إذا رفع بطنه عن الأرض في السجود، وكذلك خوَّى، وقال أبو عبيد: المجخي المائل، ولا أحسبه أراد بميله إلا أنه منخرق الأسفل، شبه به القلب الذي لا يعي خيرًا ولا يثبت فيه، كما لا يثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>