للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن يقول أُنسيت مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وهذا ليس بشيء لأنه صلى الله عليه وسلم قد نسب النسيان إلى نفسه، وقد نسبه الله إليه في قوله سنقرئك فلا تنسى إلَّا ماشاء الله وفي قوله صلى الله عليه وسلم! "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وقيل: كان هذا الذم خاصًّا بزمان النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان من ضروب النسخ نسيان الآية كما قال تعالى سنقرئك فلا تنسى إلَّا ماشاء الله أن يُنسيكه، وفيه بُعد، وقيل: قول ثالث وهو أولاها: إن نسيان القرآن إنما يكره لترك تعاهده وللغفلة عنه كما أن حفظه إنما يثبت بتكراره والصلاة به كما قال في حديث ابن عمر المتقدم: "إذا قام صاحب القرآن يقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقم به نسيه" فإذا قال الإنسان نسيت آية كيت وكيت فقد شهد على نفسه بالتفريط وترك معاهدته له وهو ذنب عظيم كما قال في حديث أنس الَّذي خرَّجه الترمذي مرفوعًا: "عرضت علي أعمال أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أُوتِيَها رجل ثم نسيها" وهو نص، وعلى هذا فمتعلق الذم ترك ما أمر به من استذكار القرآن وتعاهده، والنسيان علامة ترك ذلك فعلق الذم عليه، ولا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبًا على الأعيان فكيف يذم من تغافل عن حفظه، لأنّا نقول: من جمع القرآن فقد علت رتبته ومرتبته وشرف في نفسه وقومه شرفًا عظيمًا، وكيف لا يكون كذلك ومن حفظ القرآن فكأنما أُدرجت النبوة بين كتفيه وقد صار ممن يقال فيه هو من أهل الله وخاصته وإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره كما قال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَينِ} [الأحزاب: ٣٠] لا سيما إذا كان ذلك الذنب مما يحبط تلك المنزلة ويسقطها كترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة، ويدل على صحة هذا التأويل قوله في آخر الحديث (بل هو نُسّي) وهذا اللفظ رويناه مشددًا مبنيًّا للمفعول، وقد سمعناه من بعض من لقيناه بالتخفيف، وبه ضبط عن أبي بحر، والتشديد لغيره ولكل منهما وجه صحيح فعلى التشديد يكون معناه أنَّه عوقب بتكثير النسيان عليه لما تمادى في التفريط، وعلى التخفيف فيكون معناه تركه غير ملتفت إليه ولا معتنى به ولا مرحوم له كما قال تعالى: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧] أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>