للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رُوي أن المحاصرين لعثمان -رضي الله عنه- كانوا يرمونه بالحجارة، فقال: لِمَ ترموني بالحجارة (١)؟ فقالوا: لم نرمك، ولكن الله رماك، قال: كذبتم، لو رماني الله أصابني، وأنتم ترمونني ولا تصيبونني (٢)، وهو صادق في ذلك، فإن الله لما رمى قوم لوط، وأصحاب الفيل أصابهم، ولكنهم هم رموا عثمان.

والله -تعالى- قال (٣): {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حفنة من تراب و (٤) غيّره، فرمى بها المشركين فأصابت عيونهم، وهزمهم الله بها، ولم يكن في قدرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، بل الله -تعالى- أوصل ذلك إليهم، والرمي له طرفان: حذف (٥) بالمرمي، ووصول إلى العدو ونكاية فيهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - فعل الأول، والله فعل الثاني، والمعنى: ما أوصلت الرمي إذ حذفته (٦)، ولكن الله أوصله وهزمهم به، فالذي أثبته الله لنبيه غير الذي نفاه عنه، وقد أثبت له رمياً؛ بقوله: {إِذْ رَمَيْتَ}، ونفى عنه رمياً بقوله: {وَمَا رَمَيْتَ} فكان (٧) هذا غير هذا؛ لئلا يتناقض الكلام (٨).


(١) (الحجارة) سقطت من (د).
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه المسمى تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٦٧٢.
(الطبعة الثالثة ١٤١١ هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان) في خبر استشهاد عثمان -رضي الله عنه- ولفظه: " ... لو رمانا الله لم يخطئنا، وأنتم تخطؤننا"، قال: كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة وذكر الخبر. وقد ذكره المؤلف بصيغة التمريض.
(٣) في (د) يقول.
(٤) في (د) أو.
(٥) في (د) خذف: ويعني رمى وخص بعضهم به الحصى. لسان العرب ٩/ ٦١.
(٦) في (د) (أو خذفته).
(٧) في (د) وكان.
(٨) هذه الآية نزلت في يوم بدر، ونحو هذا نُقل عن عكرمة ومجاهد وقتادة غيرهم.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره ٦/ ٢٠٢: في قوله تعالى لنبيه -عليه السلام-: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، فأضاف الرمي إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جلَّ ثناؤه هو الموصل المرميّ به إلى الذين رُمُوا به من المشركين، والمسبب الرمية لرسوله. =

<<  <   >  >>