للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المودع أن يردّ عليه وديعته، وأن يعطيه حقه من الميراث والمغنم ونحو ذلك.

وعلى هذا فليس للسائل أن يسأل من لا فضل عنده، وليس له أن يتعدى في السؤال على الناس، وليس له أن يجزع ويعدل عن الصبر الجميل، وعليه أن يرغب إلي الله ويتوكل عليه بها وحينئذٍ فلا يكون قد أنزلها بالناس، مع أن القول الأوّل وهو عدم وجوب السؤال أظهر، فإن النصوص تقتضي أن ترك سؤال الخلق أفضل مطلقًا (١)، ولهذا قال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في صفة السبعين ألفًا: "هم الذين لا يسترقون"، والمسترقي يطلب الدُّعاء (٢) من الراقي، وقد قال - تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٢، ٣]، فقد بين أنّه كافي من توكل عليه، وأنّه لا بد أن يرزق المتقي، من حيث لا يحتسب (٣)، والميِّتة رزق ساقه الله إليه عند الضّرورة فليس له أن يمتنع من أكله فيعين على قتل نفسه، ولو أتاه مال من غير مسألة ولا إشراف نفس أخذه (٤)، وهذا كله يدلُّ على أن سؤال الخلق والاستغاثنة بهم حرام في الأصل؛ لا يباح إِلَّا لضرورة، وهو في الأظهر أشد تحريمًا من الميِّتة.


(١) هو الراجح، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٣/ ٣٤٤، وشرح مسلم ٧/ ١٣٣، وفتح الباري ٣/ ٣٤٢.
(٢) في هامش (د): رقي. وفي (ط): الرقية.
(٣) في (ف) (قف على قوله لا بدّ أن يرزق المتقي من حيث لا يحتسب). أ. هـ، وهذه الجملة من باب التصديق بكلام الله -تعالى- والثقة بما عنده، وهي من جنس قوله في معركة شقحب لما حلف للأمراء والناس أنّهم منصورون في هذه الكرَّة، فيقول له الأمراء: قل إنَّ شاء الله، فيقول تحقيقًا لا تعليقًا، وكان يتأول أشياء من كتاب الله، منها قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠)} [الحج: ٦٠] انظر: البداية والنهاية ١٤/ ٢٦.
(٤) يشير المؤلف إلى حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت عمر يقول، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: "خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء، وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك"، أخرجه البخاري في (كتاب الزكاة، باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس) ١/ ٤٤٠ رقم ١٤٧٣.

<<  <   >  >>