للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النصارى الغالية فيه، ولا كما زعمت اليهود الكافرة به (١).

وأبلغ من هذا قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة: ١٧]، فذكر أهل الأرض جميعًا؛ وخص المسيح وأمه بالذكر؛ من أنه إن أراد إهلاكهم لن يملك أحد لهم منه شيئًا، لأن المسيح وأمه اتُخِذَا إلهين كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: ١١٦]، فكان التخصيص بالذكر لنفي هذا الشرك والغلو الذي وقع في المسيح وأمه، ولم يكن ذلك من باب التنقيص بالمسيح وأمه، بل كان التخصيص لأجل أن الكلام وقع في ذلك المعين.

فالتخصيص للحاجة إلى ذكر المخصوص والعلم به؛ أو لأجل التنبيه به على ما سواه، ولهذا لا يكون التخصيص في هذا (٢) مفهومه مخالفة، بنفي نقيض الحكم عن ما سواه، وهو الذي يسمى دليل الخطاب للتخصيص (٣)، لم يكن للاختصاص بالحكم، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ


(١) زعم اليهود أن عيسى -عليه السلام- ولد زنا، واتهموا أمه بزكريا وأنه كاذب في دعوى نبوته، ولذلك لقي جزاءه بالقتل، وقابلهم النصارى بزعم آخر وهو أنه إله، أو ابن إله واختلفوا في طبيعته، وهدى الله المسلمين للحق بإذنه فشهدوا بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
انظر: تاريخ الطبري (١/ ٣٥٣)، وقصص الأنبياء لابن كثير ص ٥٧٥.
(٢) في (د) هذه.
(٣) دليل الخطاب هو: إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. وأما نوع التخصيص الذي ذكره المؤلف هنا فهو فحوي الخطاب ويسمى تنبيه الخطاب، ومفهوم الموافقة، وهو نوعان: تنبيه بالأقل على الأكثر كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فإنه نبه بالنهي عن قول أف على النهي عن الشتم والضرب وغير ذلك، والنوع الآخر تنبيه بالأكثر على الأقل مثل ما ذكره المؤلف. انظر: تقريب الوصول إلى علم الأصول، تأليف أبي القاسم محمد الغرناطي المالكي، تحقيق د. محمد المختار الشنقيطي ص ١٦٨ - ١٦٩، الطبعة الأولى ١٤١٤ هـ، الناشر مكتبة ابن تيمية القاهرة، ومكتبة العلم بجدة، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي، تعليق عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- ٤/ ٣، الطبعة الثانية ١٤٠٢ هـ, الناشر المكتب الإسلامي بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>