للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخصيص إفراد الله بالآلهية، ومنه قوله تعالى في الأنبياء: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)} [الأنعام: ٨٧، ٨٨]، والأنبياء معصومون من الشرك والكفر (١)، ولكن المقصود بيان أن الشرك لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله، فكيف بغيره؟.

وكذلك قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)} [الزمر: ٦٥] مع أن الشرك منه ممتنع، لكن بيّن بذلك أنه إذا قدر وجوده كان مستلزمًا لحبوط عمل المشرك وخسرانه كائنًا من كان، وخوطب بذلك أفضل الخلق لبيان عظم هذا الذنب، لا لنقص (٢) قدر المخاطب كما قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} [الحاقة: ٤٤ - ٤٧]، ليبيّن سبحانه أنه ينتقم ممن يكذب في الرسالة كائنًا من كان، وأنه لو قدر أنه غيّر الرسالة لانتقم منه، والمقصود نفي هذا التقدير (٣) لانتفاء لازمه.

وكذلك قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشورى: ٢٤] (ثم قال:) (٤) {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الشورى: ٢٤]، وفي الحديث المعروف: "إن الله لو عذب أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم" (٥)، فهذا من بيان عدل الرب وإحسانه وتقصير الخلق عن واجب


(١) (والكفر) سقطت من (ف).
(٢) (لا لنقص) سقطت من (د)، وفي (ف) و (ح) (لغض).
(٣) بياض في الأصل و (ف) بمقدار ثلاث كلمات وفي (د) و (ح) بمقدار كلمتين وليس في الجملة سقط.
(٤) ما بين القوسين سقط من (ف) و (د).
(٥) أخرجه أبو داود في (كتاب السنة، باب في القدر) ٥/ ٧٥ رقم ٤٦٩٩ بلفظ قريب وأوله: "قال ابن الديملي أتيت أُبيّ بن كعب فقلت له وقع في نفسي شيء من القدر ... الحديث"، وابن ماجه في المقدمة، باب القدر ١/ ١٦ - ١٧ رقم ٦٥ وأحمد في المسند ٥/ ١٨٢، ١٨٥، ١٨٩ وغيرهم بألفاظ متقاربة وقريبة من لفظ المؤلف، وقد صححه الألباني في حاشية مشكاة المصابيح (١/ ١١٧) الطبعة الثانية ١٣٩٩ هـ، الناشر المكتب الإسلامي بيروت.

<<  <   >  >>