للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء القدرية قالوا: إرادة الرب يحدثها لا في محل بلا إرادة منه، كما قال ذلك البصريون من المعتزلة (١)، وقالوا: إرادة العبد يحدثها في نفسه بلا إرادة منه، وكلاهما ممتنع.

ثم يقال لهم: حدوثها بعد أن لم تكن حادثة أمر حادث فلا بد له من محدث، وقد يقال: الإرادة أمر ممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام، والمحدث والمرجح إن كان من العبد فالقول في حدوثه كالقول في الأول، وذلك يستلزم التسلسل في أفعال العباد، وأفعال العباد لها أول فيمتنع التسلسل فيها، فلزم أن يكون المحدث المرجح لها خارجاً عن العبد، وكل ما يذكر سوى الرب -تعالى- مُنته إليه والمحدث والمرجح هو الله -تعالى-.

وقول الصابئة والفلاسفة أفسد من قول القدرية، فإنه يقال: إذا كان الرب عندكم علة تامة موجباً بذاته في الأزل لم يزل ولا يزال هكذا، ومعلوله لازم لذاته لا يمكن تأخره عنه امتنع أيضاً [أن تصدر عنه حركة الفلك وغيرها من الحوادث، وامتنع] (٢) أن يصدر عنه ما يستلزم الحوادث، والعالم مستلزم للحوادث، فيمتنع صدوره عن العلة التامة لأن الحوادث تحدث شيئاً بعد شيء؛ كما أن حركة الفلك تحدث شيئاً بعد شيء، والعلة التامة لا يحدث معلولها ولا شيء من معلولها شيئاً بعد شيء، بل جميع معلولها (٣) مقارن لها أزلاً وأبداً لا يتأخر منه شيء عن الأول، وإذا كان كذلك (٤) فالحوادث كأجزاء الحركة الفلكية يمتنع صدورها عن الموجب بذاته، وإذا قيل: إن الحركة سببها الشوق الذي في الفلك للتشبه بالأول، قيل: فتلك الإرادة والتصور الذي هو سر ما في الإرادة الذي هو سبب الحركة (المتجددة، التي تجدَّدُ الحركة) (٥) بتجدده، هو أيضاً من الحوادث المتعاقبة وهو نوع حركة نفسانية؛ فلا بد لها من محدث، فإذا كانت العلة التامة لا يتأخر عنها معلولها امتنع (صدور ذلك) (٦)


(١) انظر: الملل والنحل للشهرستاني ١/ ٨٠، والمعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق ص ١٠٣.
(٢) ما بين المعقوفتين من (ف) و (د) و (ح) وسقط من الأصل.
(٣) في (ف) معلومها.
(٤) (كذلك) سقطت من (د).
(٥) ما بين القوسين سقط من (د) و (ح).
(٦) ما بين القوسين في (د) صدورها.

<<  <   >  >>