للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصواب التفريق بين القدرة المصححة (١) التي يشترط في الفعل معها وجود الإرادة؛ وبين القدرة الموجبة (٢) وهي مجموع ما يستلزم المقدور.

وأما القدرية فقالوا: إن القدرة لا تكون إلا قبل الفعل، وإذا كانت الحوادث يحدثها شيئاً بعد شيء بحسب حدوثها لزم أن تقوم به الأفعال الاختيارية، وإذا كانت كذلك بطل أصل قولهم الذي بنوا عليه قدم العالم، حيث قالوا هو موجب بالذات لا فاعل بالاختيار، وإذا كان كذلك قارنت موجبه، فإذا كان نفس الحوادث يستلزم أن يكون فاعلاً أفعالاً متعاقبة بطل كونه موجباً بذاته بمقارنة موجبه، فبطل التلازم الذي ذكروه وجاز أن يكون محدثاً للأفلاك.

وإن كان قد أحدث قبلها شيئاً آخر كما أخبر الله -تعالى- أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، كذلك في التوراة أنه خلق السموات والأرض وكان الماء مستبحراً (٣) غامراً الأرض والرياح تهب فوقه (٤).

وملخص ذلك أنه لو كان شيء من العالم قديماً لكان موجباً بذاته بمقارنة (٥) موجبه لا يتأخر عنه، والثاني باطل لأنه لو كان كذلك لم يحدث في


(١) القدرة المصححة: وهي السابقة للفعل، وهي الاستطاعة المشروطة في التكليف كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، وهي صالحة للفعل والترك، ولم يعرف القدرية غيرها، كما لم يعرفها الجبرية. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٢) القدرة الموجبة: وهي المقارنة للفعل، وهي المنفية عمن لم يفعل في مثل قوله: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: ٢٠]، ولم يعرف الجبرية كالأشاعرة وغيرهم غير هذه القدرة، ولم يعرفها القدرية. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/ ١٧٣.
(٣) مستبحراً اسم مفعول للبحر، والبحر هو الماء الكثير ملحاً كان أو عذباً وهو خلاف البر. وإنما سُمي البحر بحراً لسعته وانبساطه، وقد غلب على الماء المالح حتى قل في العذب. انظر: لسان العرب لابن منظور ٤/ ٤١، والقاموس المحيط ص ٤٤١ مادة بحر.
(٤) جاء في سفر التكوين الإصحاح الأول فقرة ٢: وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمه وروح الله يرف على وجه المياه. انظر: الكتاب المقدس - التوراة طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
(٥) كذا في الأصل و (ح) وفي (ف) و (د) بقارنه.

<<  <   >  >>