للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعبدون قوماً من الجن فأسلم (١) الجن وبقي الإنس على كفرهم فأنزل الله -تعالى- {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (٢) يعني الجن (٣).

وهذا معروف عن ابن مسعود من غير وجه, وهذه الأقوال كلها حق, فإن الآية تعم كل من كان معبوده عابداً لله سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر، والسلف -رضي الله عنهم- في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله ما معنى لفظ الخبز؟ فيريه رغيفاً فيقول هذا، فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه.

وليس مرادهم بذلك تخصيص نوع دون نوع مع شمول الآية للنوعين, فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعواً, وهذا موجود في الملائكة والجن والإنس.

وقد اختار [الطبري] (٤) قول من فسرها بالملائكة أو الجن لأنهم كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتغون إلى ربهم الوسيلة, بخلاف المسيح والعزيز فإنهما لم يكونا [موجودين] (٥) على عهده, فلم يكونا حينئذٍ ممن يبتغي الوسيلة, إذ ابتغاء الوسيلة العمل بطاعة الله والتقرب إليه بالصالح من الأعمال, فأما من كان لا سبيل له إلى العمل، فبم يبتغي إلى ربه الوسيلة, وهذا الذي قاله إن كان صواباً فهو أبلغ في النهي عن دعاء المسيح وعزير وغيرهما من الأموات من الأنبياء والصالحين، فإنه إذا كان الحي الذي يتقرب إلى ربه بالعمل لا يجوز دعاؤه, فدعاء الميت الذي لا يتقرب بالعمل أولى أن لا يجوز؛ وإن كانت الآية تعم هذا وهذا، فهي دالة على ذلك, فدلالتها ثابتة على كل تقدير.


(١) إلى هنا انتهى الفراغ في أسطر (ف).
(٢) في (د) زاد {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}.
(٣) (كتاب التفسير، باب {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦)} ٣/ ١٤٦٠ رقم ٤٧١٤ بلفظ قريب جداً.
(٤) كذا في (ت) و (ط)، وفي الأصل و (ف) و (د) و (ح) الطبراني وهو تصحيف، لأن هذا الاختيار لابن جرير الطبري صاحب التفسير. انظر: ٨/ ٩٧، واختار ذلك أيضاً ابن كثير القرآن العظيم ٣/ ٤٧ وهو الصواب، والله أعلم.
(٥) كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل (ماجودين).

<<  <   >  >>