للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخالق [أعظم] (١) من افتقار الغريق إلى المنقذ، والمسجون إلى من يرسله، ولهذا قيل: استغاثة المخلوق بالمخلوق أبلغ من هذا، كالاستغاثة بالمعدوم.

الرابع: قوله: وإن كنا نعلم أن المراد بها، المراد بقول القائل: لا يستغاث إلا بالله، ولا يفرج الكربة إلا الله، فيقال: هذا يقتضي تصويب هذا النافي، وعلى قولك لا يكون هذا النفي صواباً؛ لأنك قلت: إنه يستغاث بالمخلوق في كل ما يستغاث فيه بالله، وحينئذٍ فهذا الإثبات يناقض ذلك السلب العام، وقد تقدم (أن دعواه أن المثبت) (٢) هو عين المنفي في كلام الله ورسوله خطأ، بل ما نفاه الرب عن غيره لم يثبته له، والمنفي عن المخلوق ما اختص الرب به، وكذلك قول أبي يزيد وغيره.

وأما على ما ادعاه فالاستغاثة بالمخلوق عامة في كل شيء؛ فلا يكون شيء من الأشياء [لا] (٣) يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيه، فلا تنفى الاستغاثة عن (٤) غير الله، إذا كانت ثابته للمخلوق في كل شيء؛ إلا أن يقال المنفي هو الاستغاثة الكاملة أو التي يستقل بها المغيث (٥)، كما يقال: لا موجود إلا الله -تعالى-، فيقال: وهذه العبارة لا موجود إلا الله، ليست عبارة منقولة عن السلف والأئمة (٦).

والنافي إذا أراد بالنفي الكمال مع القرينة جاز ذلك، كما يقال: لا عالم إلا فلان، ولا حاكم إلا فلان، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} إلى قوله (٧): {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤].

وقد بيّنا في غير هذا الموضع (٨) أن الله ورسوله لم [ينفيا] (٩) اسماً من


(١) كذا في (ف) و (د) و (ح) وسقطت من الأصل.
(٢) ما بين القوسين سقط من (ف).
(٣) كذا في (ح) وسقطت من الأصل و (ف) و (د).
(٤) في (ف) من.
(٥) في (ف) المستغيث.
(٦) يجوز الإخبار بهذه العبارة عن الله -عز وجل-، ولا يسمى بها سبحانه. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/ ١٤٢؛ وبدائع الفوائد لابن القيم ١/ ٧٦.
(٧) تكملة الآيات: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)}.
(٨) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٢/ ٥٣٠ - ٥٣٢، ١٩/ ٢٩١ - ٢٩٢.
(٩) كذا في (د) و (ف)، وفي الأصل (لم ينفوا)، وفي (ح) (يُنفى).

<<  <   >  >>