للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون إلا إذا علم مقدار فهم كل من يسمع كلامه ويقرأ كتابه، وهذا ليس في طاقة بشر، والله -تعالى- ما أرسل رسولاً إلا بلسان قومه ليبيّن لهم، فما (١) يمكن بيان الرسول إلا على طريقة اللغة المعروفة، وإن وقع خطأ في فهم بعض الناس، والله -تعالى- أنزل كتابه بلسان الرب، وهو لا بد أن ينزله بلسان من الألسنة، وأكمل الألسنة لسان العرب، وأكمل البلاغة بلاغة القرآن باتفاق أهل العلم بذلك.

وقد غلط في كثير من فهم القرآن، من لا يحصيه إلا الله، حتى في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم طائفة من قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] أن المراد به الخيوط التي هي من جنس الحبال (٢)، وفهم بعضهم من قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] أن المراد دخولها والتعذيب فيها (٣)، وفهم بعضهم من قوله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)} [الانشقاق: ٨] أنه قد يناقش العبد الحساب وينجو (٤)، ومثل هذا كثير.


(١) في (ف) فيما، وكذلك في الأصل، ولكنها مصححة في هامش الأصل.
(٢) يشير إلى ما أخرجه البخاري في (كتاب التفسير، باب {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ...} الآية ٣/ ١٣٦٤ رقم ٤٥٠٩ عن الشعبي عن عدي قال: أخذ عدي عقالاً أبيض وعقالاً أسود، حتى كان بعض الليل نظر، فلم يستبينا، فلما أصبح، قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادتي، قال: "إن وسادك إذاً لعريض، أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" وطرفه رقم ٤٥١٠، ٤٥١١.
(٣) يشير إلى ما أخرجه مسلم في (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان) ٤/ ١٩٤٢ رقم ٢٤٩٦ عن أم مبشر، أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة: "لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها"، فقالت: بلى يا رسول الله! فانتهرها، فقالت حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد قال الله -عز وجل-: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)} ".
وأخرجه ابن ماجه في (أبواب الزهد، باب ذكر البعث) ٢/ ٤٤٤ رقم ٥٣٣٥، ولفظه: " ... من شهد بدراً أو الحديبية ... " الحديث.
(٤) يشير إلى ما أخرجه البخاري في (كتاب التفسير، باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)} ٣/ ١٥٨٤ رقم ٤٩٣٩ عن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس أحد يحاسب إلا هلك"، قالت: قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداك، أليس يقول الله -عز وجل-: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)}، قال: "ذاك العرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك".

<<  <   >  >>