للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعض الغلاة: إنه كان يعلم علم الله ويقدر قدرته وكفر المسلمون من قال ذلك، فضلاً عن تكفير النافي (١)، وتنازع المسلمون في جواز الصغائر على الأنبياء وجمهورهم يجوِّزون ذلك (٢)، وهذا باب واسع.

فما زال المسلمون يتنازعون في شيء من إثبات صفات الكمال، ولا يقول المثبت للنافي إنك كفرت، فإن الكمال الثابت ليس محدوداً يعلمه الناس كلهم، وما من كمال إلا وفوقه كمال آخر، والكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله -تبارك وتعالى-، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كمل من الرجال كثير [... إلى آخر الحديث] (٣) " (٤)، وهؤلاء الكاملون بعضهم أكمل من بعض، فإذا نُفي عن بعضهم [نوع] (٥) من الكمال لم يلزم أن ينفى عنه الكمال، لو كان كذلك لكان من قال إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - أفضل من يونس بن متى متنقصاً (٦) بيونس فيكون كافراً؛ لأنه سلبه هذا الكمال.

وأما قوله: (أرأيت رجلين قال أحدهما: لا ضار ولا نافع إلا الله يشير إلى التوحيد، وقال الآخر: إن الرسول لا يضر ولا ينفع، وقال الأول:


= جمهور العلماء وهو ظاهر القرآن والحديث، واتفقوا على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به، وأجمع العلماء على استحالته عليه - صلى الله عليه وسلم - في الأقوال البلاغية واستدلوا بحديث ذي اليدين وسيأتي تخريجه. انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، تأليف القاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق علي بن محمد البجاوي ٢/ ٧٩٨، طبعة دار الكتاب العربي، وشرح مسلم للنووي ٥/ ٦٤ - ٩٥، وفتح الباري لابن حجر ٣/ ١٣٠.
(١) في (د) الثاني، وقول المؤلف إشارة لما ذهب إليه البكري من تكفير من نفى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن قال إنه - صلى الله عليه وسلم - هو حقيقة الذات الإلهية فهو يقول: إنه يقدر قدرة الله ويعلم علمه. وقال بذلك بعض الصوفية.
(٢) قال بعصمة الأنبياء من الصغائر الرافضة، وأجازها الجمهور وهو الراجح. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١/ ٣٠٨، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٤/ ٣١٩، والرسل والرسالات تأليف د. عمر سليمان الأشقر ص ١٠٧ وما بعدها، الطبعة الرابعة ١٤١٠ هـ، الناشر مكتبة الفلاح، ودار النفائس - الكويت.
(٣) ما بين المعقوفين من (د) و (ح) وسقط من الأصل و (ف).
(٤) أخرجه البخاري في (كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ...} الآية رقم ٣٤١١، ٢/ ١٠٥٨ وطرفه: ٣٤٣٣ واللفظ له.
(٥) كذا في (د) و (ح) بالرفع وفي الأصل و (ف) نوعاً بالنصب.
(٦) كذا في الأصل و (ح)، وفي (ف) بياض وفي (د) (تنقيصاً).

<<  <   >  >>