للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسالك الدينية، فإن هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بإسناد حسن ولا صحيح بل ولا ضعيف يستأنس به ويعتضد به، وإنما نقل هذا وأمثاله كما تنقل الإسرائيليات التي كانت في أهل الكتاب، وتنقل عن مثل كعب ووهب وابن إسحاق (١)، ونحوهم ممن أخذ ذلك عن مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم أو عن كتبهم. كما روي أن عبد الله بن عمرو وقعت له صحف يوم اليرموك من الإسرائيليات فكان يحدث منها بأشياء.

ويكفيك أن هذا الحديث ليس في شيء من دواوين، الحديث التي يعتمد عليها.

وقد جمع غير واحد من الحفاظ قصة آدم (٢)، ومن أجمعهم أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخه الكبير"، فإنه روى عامة ما رواه الناس ولم يذكر هذا، وإنما ذكر هذا وأمثاله من يجمع الموضوعات الكثيرة والأكاذيب العظيمة.

ومما يبين كذب هذا أن الله -سبحانه وتعالى- قال: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة: ٣٧ - ٣٨]، فأخبر أنه تاب بالكلمات التي تلقاها منه وقد قال تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} الآية، فأخبر أنه أمرهم بالهبوط عقب هذه الكلمات، وأخبر أنه تاب عليه عقب الكلمات وأمره بالهبوط، فكان أمره بالهبوط عقب الكلمات التي تلقاها منه وهي قولهما: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، أو كلمات تشبه هذه الكلمات ذكر ذلك طائفة كثيرة من المفسرين، ومن ذكر أن الكلمات التي تلقاها من ربه غير هذه لم يكن معه حجة في خلاف ظاهر القرآن.

وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب "التوبة" في هذه الكلمات أشياء كثيرة كلها تدور على ما ذكره الله في كتابه من قول آدم وحواء: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وأيضاً فإن قولهما: {ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا} يتضمن الإقرار والاستغفار، ومن هو دون آدم أقر بذنبه واستغفر منه غُفِرَ له، كما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "إن كنتِ ألممتِ بذنب فاستغفري وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله


(١) أشار المؤلف لهذا في الأصل ص ٣٢٢ , وانظر: غير مأمور تراجمهم هناك.
(٢) أي قصة آدم وأكله من الشجرة، وتوبته، ولم يذكر هذا الخبر الباطل.

<<  <   >  >>