للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجلا (١) يقول: قال يوسف عليه السلام: "اللهم أني أتوجه إليك بصلاح آبائي إبراهيم خليلك وإسحاق ذبيحك (٢) ويعقوب إسرائيلك"، فأوحى الله إليه يا يوسف: "تتوجه إليّ بنعمة أنا أنعمت بها عليهم"، قال أحمد (٣): فقلت لأبي سليمان الداراني: كنت لبعض الأولياء قبل اليوم أشد حباً، فقال: إنما يتقرب إليه بحب أوليائه [أولاً] (٤) ثم بعد منزلة سعد (٥) القلب، وقد ذكر بعض الناس في هذا الأثر أن الله قال له: "وأي حق لآبائك علي" (٦)، لأنه -سبحانه وتعالى- هو الذي أنعم عليهم بالإيمان والنبوة كما قال تعالى بعد ذكره لهم وثنائه عليهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} [مريم: ٥٨] الآية، وكذلك الآية، التي في النساء: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [النساء: ٦٩] الآية، وقال في الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)}.

وأما ما استحقوه عليه فكقوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧]، {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ١٠٣]، فهو سبحانه أحقه على نفسه بحكم إحسانه وفضله ووعده، لا هم أحقوه عليه؛ كالحق الذي للإنسان على من له عنده يد، ولهذا ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء؛ كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إليه بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم لما علموا أن الله -سبحانه وتعالى- يثيب العاملين على أعمالهم كما قال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦]، وسعي غيره ليس له كما لا تزر وازرة وزر أخرى كما قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٦ - ٣٩]، وإن


(١) في الحلية (الحذاء) ١٠/ ٩.
(٢) الذبيح هو إسماعيل -عليه السلام-، وهذا الخبر من الإسرائيليات، وقد جاء فيه ما خالف ديننا فهو مكذوب، وسيأتي رد المؤلف لها وأنه احتج بها لإلزام الخصم فقط.
(٣) أي أحمد بن أبي الحواري.
(٤) كذا في الحلية ١٠/ ٩ وفي (ط) و (د) والتيمورية (أولى) ولا يستقيم المعنى.
(٥) كذا في (ط) و (د)، وفي الحلية (تشغل)، وفي التيمورية (تستعد).
(٦) وقد ذكر في موضع آخر أنه قد جاء قريب من ذلك عن داود -عليه السلام-.

<<  <   >  >>