للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)﴾، و"الخَير" ها هنا: المالُ باتفاق المفسِّرين (١).

و"الشَّدِيد": البخيل، والمعنى: وإنَّه لبخيلٌ من أَجْل حُبِّ المال، فحُبُّ المال هو الذي حمله على البُخْل، هذا قول الأكثرين (٢).

وقال ابن قتيبة: "بل المعنى: إنَّه شديدُ الحُبِّ للخير، فتكون "اللَّامُ " في قوله ﴿لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ متعلِّقةً بقوله: ﴿لَشَدِيدٌ (٨)﴾ على حدِّ تعلُّقِ قولك: إنَّهُ لِزَيْدٍ لَضَارِبٌ" (٣).


(١) قال الألوسي: "وورد بهذا المعنى في القرآن كثيرًا، حتى زعم عكرمة أن "الخير" حيث وقع في القرآن فهو المال. وخصَّهُ بعضهم بالمال الكثير، وفُسِّر به في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ [البقرة: ١٨٠] ". "روح المعاني" (١٥/ ٤٤٥)
وأُطلق "الخير" في القرآن على معانٍ كثيرة، أوصلها الثعالبي إلى اثنين وعشرين وجهًا. "الأشباه والنظائر" (١٣٣).
وفسَّره ابن زيد بـ: الدنيا، وهذا لا يتعارض مع ما ذكره ابن القيم هنا، ولهذا قال ابن عطية: "ويحتمل أن يريد هنا الخير الدنيوي من مالٍ، وصحةٍ، وجاهٍ عند الملوك ونحوه". "المحرر الوجيز" (١٥/ ٥٥٠).
(٢) انظر: "جامع البيان" (١٢/ ٦٧٣)، و"البحر المحيط" (٨/ ٥٠٢).
(٣) المفسرون ينقلون هذا القول عن الفرَّاء أحد أئمة الكوفيين.
قال الفرَّاء: "أصل نظم الآية أن يقال: وإنه لشديدُ الحُبِّ للخير، فلمَّا قدَّم "الحبَّ" قال: لشديد، وحَذَفَ من آخره ذكر "الحُبِّ"؛ لأنَّه قد جرى ذكره، ولرؤوس الآي، كقوله: ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] والعُصُوف للريح لا لليوم، كأنَّه قال: في يومٍ عاصِفِ الريح". "معاني القرآن" (٣/ ٢٨٥ - ٢٨٦).
وانظر: "جامع البيان" (١٢/ ٦٧٣)، و"الجامع" (٢٠/ ١٦٢ - ١٦٣).
وذكر ابن الجوزي أنَّ ابن قتيبة يقول بقول الأكثرين. "زاد المسير" (٨/ ٢٩٧)، وانظر "تأويل مشكل القرآن" (٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>