للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يشتبه الرَّاشدُ المَهْديُّ بالضَّالِّ الغاوي إلا على أجهل خلق الله، وأعماهم قلبًا، وأَبْعَدِهم من حقيقة الإنسانية. ولله درُّ القائل:

وما انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيا بِنَاظِرِهِ … إذا اسْتَوَتْ عندَهُ الأَنْوَارُ والظُّلَمُ (١)

فالنَّاسُ أربعة أقسام:

ضالٌّ في علمه، غاوٍ في قصده وعمله. وهؤلاء شرار الخلق، وهم مخالفو الرُّسُل.

الثاني: مُهْتَدٍ في علمه، غاوٍ في قصده وعمله. وهؤلاء هم الأُمَّةُ الغَضَبِيَّةُ (٢) ومن تشبَّهَ بهم، وهو حال كلِّ من عرف الحقَّ ولم يعمل به.

الثالث: ضالٌّ في علمه، ولكن قصده الخير، وهو لا يشعر.

الرابع: مُهْتَدٍ في علمه، راشِدٌ في قصده. وهؤلاء ورثة الأنبياء، وهم وان كانوا الأَقلِّين عددًا فهم الأكثرون عند الله قَدْرًا، وهم صفوةُ الله من عباده، وحِزْبُهُ (٣) من خلقه.

وتأمَّلْ كيف قال سبحانه: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾، ولم يقل: ما ضَلَّ محمدٌ؛ تأكيدًا لإقامة الحُجَّة عليهم، بأنَّه صاحبهم، وهم أعلم الخلق به وبحاله، وأقواله، وأعماله، وأنَّهم لا يعرفونه بكذبٍ، ولا غَيٍّ، ولا ضلالٍ، ولا يَنْقِمُون عليه أمرًا واحدًا قَطُّ. وقد نبَّهَ على هذا المعنى بقوله: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦٩]، وبقوله: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ


(١) البيت للمتنبي "ديوانه" (٣٣٢).
(٢) يقصد أمة اليهود الذين غضب الله عليهم.
(٣) "حزبه" ملحق بهامش (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>