للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَلِ "الرِّياح": مَنْ أنشأها بقدرته؟ وصرَّفها بحكمته، وسخَّرها بمشيئته، وأرسلها بُشْرًا (١) بين يدي رحمته، وجعلها سببًا لتمام نعمته، وسلَّطها على من شاء بعقوبته؟ ومَنْ جعلها رُخَاءً، وذَارِيَةً، ولاقِحَةً، ومثيرةً، ومؤلِّفَةً، ومغذِّيةً لأبدان الحيوان، والشجرِ، والنَّبَاتِ؟ وجعلها قاصِفًا، وعاصِفًا، ومُهْلِكَةً، وعاتيةً؟ إلى غير ذلك من صفاتها. فهل ذلك لها من نفسها وذاتها أم بتدبير مُدَبِّرٍ شَهِدَت الموجوداتُ بربوبيته، وأقرَّت المصنوعاتُ بوحدانيته، بيده النَّفْعُ والضُّرُّ، وله الخَلْق والأمر، تبارك الله ربُّ العالمين.

وَسَلِ "الجَارِيات يُسْرًا" مِنَ السُّفُن مَنْ (٢) أَمْسَكَها على وجه الماء؟ ومَنْ سخَّرَ لها البحر؟ ومَنْ أرسل لها الرِّياح التي تَسُوقها في الماء سَوقَ السَّحَاب على مُتُون الرِّياح؟ ومَنْ حَفِظَها في مَجْرَاها ومُرْسَاها مِنْ طغيان الماء وطَغيان الرِّيح؟ فمَنِ الذي جعل الرِّيح لها بقَدْرٍ لو زَادَ عليها لأغرقها؛ ولو نقص عنه لَعَاقَها؟

ومَنِ الذي أجرى لها ريحًا واحدةً تسير بها، ولم يسلِّطْ على تلك الرِّيح ما يُصَادِمها ويُقَاوِمها، فَتَتَموَّج في البحر يمينًا وشمالًا تتلاعب بها الرِّياح؟

ومَنِ الذي علَّمَ الخَلْقَ الضعيفَ صَنْعَةَ هذا البيت العظيم الذي يمشي على الماء (٣)، فيقطع المسافة البعيدة، ويعود إلى بلده، يَشُقُّ الماءَ ويَمْخُرُه، مُقْبِلًا ومُدْبِرًا بريحٍ واحدةٍ، تجري في موجٍ


(١) في (ن) و (ح) و (ط): نُشْرًا، وكلاهما صحيح.
(٢) ساقط من (ح).
(٣) "يمشي على الماء" ملحقٌ بهامش (ن).

<<  <  ج: ص:  >  >>