للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مقدمة]

الإيمان بالأسباب جزء من عقيدة المسلم. ولكن الجزء الآخر من عقيدة المسلم ألا يعتمد عليها، فهذا ينافي التوكل، وألا يجعل لها تأثيرًا فهذا يتنافى مع الإيمان بشمول تعلق الإرادة الإلهية بالحوادث وشمول تعلق القدرة الإلهية بما تعلقت به الإرادة، وذلك قول بالقوة المودعة التي ذهب إليها المعتزلة وهو نوع شرك يصل بصاحبه إلى ضلال أو كفر، ولذلك قال علماؤنا: من عطل الأسباب فقد كفر، ومن جعل لها تأثيرًا فقد أشرك.

فالمسلم لا ينفي ارتباط الأسباب ببعضها ولكن يعتقد أن كل ما جرى ويجري إنما هو بعلم الله وإرادته وقدرته ولذلك كان من أذكار المسلم: لا حول ولا قوة إلا بالله. وكنموذج على ما قلناه لنأخذ حادثة المطر، فأن يتعرف الإنسان على احتمالات نزول المطر فهذا شيء مقر والله عز وجل قال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (١)، ومن القديم كان العربي من خلال شمه للرياح ورؤيته للسحاب يدرك إمكانية نزول المطر، فهذا جزء من عالم الأسباب لا اعتراض ولا إنكار بل ينبغي إثباته وقد طورت في عصرنا وسائل لاستكشاف احتمالات ما يجري ولكن ما تقدمه هذه الوسائل يبقى في حدود الاحتمالات، ولكن الشيء الذي يكمل هذا التصور أن نعتقد أن ما يحدث هو بإرادة الله وعلمه وقدرته، وأن إنزال المطر النافع هو أثر رحمته وعنايته، فمن غفل عن ذلك مع صحة الاعتقاد فلا إثم عليه، ومن اعتقد أنه لا تدخل لله في ما يجري، ونسب ما يحدث إلى الأسباب قاطعًا إياها عن المسبب فهو ضال إن كان يقول بالقوة المودعة، وكافر إن كان يؤمن بأنه لا دخل ابتداء وانتهاء لله فيما يجري.

وهذا موضوع مباحثه طويلة وأدلته كثيرة وقد وفق أهل السنة والجماعة فيه للحق، وضل عنه كثيرون، وكنموذج على بعض ما ورد في هذا الشأن ما ورد في موضوع نزول المطر، فالله عز وجل قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} (٢)، وقال {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى


(١) الأعراف: ٥٧.
(٢) فاطر: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>