للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويدخل في الكفر، أما أهل السنة فمتفقون على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ولا يخرج من الإيمان والإسلام ولا يدخل في الكفر ولا يستحق الخلود مع الكافرين. وقد تواترت النصوص الدالة على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان سبق ذكر بعضها) (١) ا. هـ.

وكذلك دلت النصوص على ثبوت الإيمان قبل الأوامر والنواهي وعلى أن الإيمان والعمل الصالح يتغايران لأنه قد عطف العمل الصالح على الإيمان، والعطف يقتضي التغاير، والأصل أن يجتمعا، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (٢) فإنه يفيد ثبوت الإيمان قبل الأمر بالصوم، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (٣) فإن أصل العطف للمغايرة، وكقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (٤) بناء على أن المراد من الظلم المعصية، فقد اقتضى بمفهومه اجتماع الإيمان مع المعاصي، وقيل: إن المراد بالظلم الشرك، لما روي أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة، وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (٥). وعليه فمفهوم الآية من باب {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (٦) فيكون المراد بالإيمان مطلق التصديق. وكقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (٧) فأثبت الإيمان للقاتل وكذلك: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ...} (٨) فأثبت الإيمان والأخوة وهي أخوة الإيمان لا ريب. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٩) هي الآية الأم في هذا الباب وعلى ضوئها تحمل النصوص المخالفة في ظاهرها.


(١) شرح الطحاوية بتصرف يوضح المعنى.
(٢) البقرة: ٨٢.
(٣) البقرة: ٢٧٧.
(٤) الأنعام: ١٨٢.
(٥) البخاري (٦/ ٤٦٥) -٦٠ - كتاب الأنبياء -٤١ - باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...}.
(٦) يوسف: ١٠٦.
(٧) البقرة: ١٧٨.
(٨) الحجرات: ٩، ١٠.
(٩) النساء: ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>