للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما معناه فاعلم أن هذا الحديث من الجوامع، وقد تضمن أحكامًا: أحدها: وجوب ترك المنهيات لقوله: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه" والأمر باجتنابه للوحوب.

والثاني: وجوب فعل المستطاع من المأمورات لقوله: "فأتوا" أي: فافعلوا منه ما استطعتم، والأمر بفعله للوجوب، وهذا راجع إلى قوله عزَّ وجلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

فإن قيل: الآية دلت على وجوب اتباع أوامره - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا، ولم يستثن المستطاع من غيره، والحديث المذكور خصَّ المستطاع من ذلك دون غيره، فهذا الحديث مخصص للآية أو مبين لها.

قلنا: يحتمل أن يقال هذا، ويحتمل أن يقال: إن الآية المذكورة خُصَّت بقوله عزَّ وجلَّ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] والتقوى تشتمل على جميع المأمورات فصار ذلك في قوة قوله: ما آتاكم (أ) به فافعلوا منه ما استطعتم، ثم جاء هذا الحديث موافقا لهذه الآية، كما جاء قوله في حديث جبريل: "وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" موافقا لقوله عزَّ وجلَّ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧].

فإن قيل: ما الفرق بين المأمور به، وبين المنهي عنه حيث سقط التكليف بما لا يستطاع من الأول، دون الثاني؟.

قلنا: لأن ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه والاستمرار


(أ) في م آتيتكم.